رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

كيف تصدى وعي المجتمع لتشوهات العقار؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

سابقا؛ قبل سنوات قليلة، كان بإمكان كثير من تجار الأراضي والعقار والسماسرة، تمرير بضاعتهم إلى المستهلك النهائي بكل يسر وسهولة، على الرغم من ذروة الأسعار المتضخمة جدا، التي وصلت إليها مختلف الأصول العقارية (أراض، عقارات)، خلال الفترة 2011 - 2014 التي وصلت خلالها قيم صفقات السوق العقارية إلى نحو 1.3 تريليون ريال. أسهم - كما أصبح معلوما- في تشكل هذه الفقاعة العقارية عديد من العوامل؛ كزيادة احتكار الأراضي على نحو 91 في المائة من إجمالي مساحات الأراضي داخل المدن والمحافظات، وارتفاع حدة المضاربات العقارية على أقل من 9 في المائة من تلك المساحات المتاحة للتداول، ونمو السيولة المحلية بأعلى من 60.1 في المائة (زيادتها بنحو 649 مليار ريال) خلال الفترة نفسها، نتيجة لارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي، مقابل تقلص فرص الاستثمار البديلة الملائمة، إضافة إلى سهولة حصول المستهلكين على القروض الاستهلاكية والعقارية، التي وصلت المحصلة الإجمالية النهائية لزيادتها خلال هذه الفترة الوجيزة جدا إلى أعلى من 235.1 مليار ريال، أي ما نسبته 42 في المائة من إجمالي القروض الاستهلاكية والعقارية وفقا لأحدث رصيد لها البالغ نحو 565 مليار ريال بنهاية الربع الأول من العام الجاري. الآن؛ أصبح كل ما تقدم ذكره وغيره مما لا يتسع المجال المحدود هنا لذكره طي التاريخ! إذ قامت الدولة من خلال أجهزتها الحكومية باتخاذ عديد من القرارات والإجراءات لمعالجة تلك التشوهات في السوق العقارية، بدءا من وضع مزيد من القيود على القروض العقارية (نوفمبر 2014)، ثم إقرارها نظام الرسوم على الأراضي وبدء تطبيقه (يونيو 2016) لمحاربة احتكار الأراضي والمضاربات المحمومة عليها، وأسهم في زيادة الضغوط على السوق العقارية انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014 حتى تاريخه، ودخول الاقتصاد الوطني بأكمله ضمن ورشة عملاقة من الإصلاحات الجذرية، تحت مظلة البرامج العديدة لـ "رؤية المملكة 2030"، التي من أهم أهدافها وأبرزها تحول الاقتصاد الوطني من الاعتماد المفرط على دخل النفط والقطاع الحكومي، إلى الاعتماد بصورة أكبر على القطاع الخاص وقاعدة إنتاجية أكثر تنوعا، وإيجاد بيئة استثمارية محلية أكثر تنافسية وجذبا لرؤوس الأموال، وهو العامل الأهم الذي ينتظر أن تأتي نتائجه الإيجابية أثقل وزنا على هيكل الاقتصاد، بغض النظر عن بقية العوامل والمتغيرات الاقتصادية الأخرى، التي من أبرزها علو كعب الإنتاج والتنافسية والاستثمار المجدي، على حساب الاحتكار والمضاربات والتستر التجاري وغيره من التشوهات الهيكلية. الأمر الإيجابي خلال تلك المرحلة الماضية، التي استغرقت أعواما قليلة، أنه رافقها تنامي وعي أفراد المجتمع بصورة ممتازة، خدمه عديد من العوامل والأدوات، لعل من أبرز ما دعم تعزيز الوعي الاقتصادي بشكل عام، وفي خصوص السوق العقارية تحديدا، ارتفاع مستوى شفافية المعلومات المتعلقة بالسوق العقارية بدرجة عالية جدا، كان لوزارة العدل الدور الأكبر فيه، من خلال نشرها المنتظم والمفصل لجميع مؤشرات أداء السوق العقارية (بدءا من منتصف 2014)، وجدت وسائل الإعلام المحلية من خلاله ثروة معلوماتية هائلة، ترجمتها إلى تقارير يومية وأسبوعية منتظمة لأفراد المجتمع، وهو الأمر الذي كان غائبا تماما عن الساحة الإعلامية المحلية، التي كانت مسرحا للتقارير التسويقية أكثر منها تحليلية، الصادرة عن القوى المسيطرة على السوق العقارية، من شركات ولجان عقارية مختلفة. كما أسهم في ارتقاء وعي المجتمع بما يجري فعلا في دهاليز السوق العقارية، التطور المذهل لانتشار وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة، وتدفق من خلالها كم هائل من النقاشات والحوارات وتبادل معلومات وتطورات السوق العقارية لحظة بلحظة، نتج عنه كثير من تعزيز الوعي والمعلومات لدى أفراد المجتمع، حول ما كان أشبه بالصندوق الأسود المغلف! وأصبح سهلا جدا على أي فرد التعرف على حقيقة التطورات في السوق العقارية المحلية. أفضى الأمر في نهايته إلى تحول ما كان سهلا جدا على العقاريين والسماسرة تمريره دون فحص وتفكير وتقصٍّ، إلى صعب جدا أن يمر دون ذلك، وأصبح المسوق العقاري يواجه (مستهلكا) خصما صعب المراس، خصما قد تسلح بما يكفي من المعلومات الموثوقة، والاطلاع الواسع والعميق حول كل ما يجري في السوق العقارية. ترتب عليه ارتفاع القدرة التفاوضية لدى المستهلك، مقابل تأخرها أو حتى سقوطها بالنسبة للعقاريين والمسوقين والسماسرة، وهو الأمر الذي لم يكن في تصور أي طرف من الأطراف أن يحدث قبل نحو ثلاثة أعوام فأكثر! لم يعد سهلا تسويق وبيع أي بضاعة عقارية (أرض، عقار) مهما كانت قوتها التسويقية على أفراد المجتمع، وهو الأمر الآخذ في التصاعد يوما بعد يوم، ولا شك أنه الأمر الإيجابي اللازم تحققه واتساع نطاقه وسط مختلف شرائح المستهلكين، وهو أيضا ما يجب أن يدركه فريق العقاريين والمسوقين والسماسرة بيننا، وضرورة التخلي عن لغة الاستعلاء والمكابرة التي ما زالوا أسرى لها، دون إدراك منهم لتغير الأحوال من حولهم، وأنهم إن لم يأخذوا تلك التطورات الراهنة بعين الاعتبار، فقد يجدون أنفسهم خارج قواعد اللعبة بأكملها، وحلول آخرين محلهم أكثر ذكاء ومعرفة بما يجري الآن داخل السوق العقارية، وهو بلا شك ما سينتج عنه خسارة مضاعفة بالنسبة لهم، لا مجرد أن يجدوا أنفسهم وقد بارت بضاعتهم وكسدت. أخيرا؛ يتطلب الأمر من أفراد المجتمع، والباحثين عن تملك مساكنهم تحديدا، بذل مزيد من الجهود من قبلهم للاطلاع والمتابعة لكل ما يصدر وينشر من معلومات وبيانات وتقارير حول السوق العقارية المحلية، الذي سيزيد من حمايتهم من الوقوع فريسة لمن قد يفترسهم طمعا في أموالهم، وهو الأمر الجاري بحمد الله تعالى حدوثه في الوقت الراهن. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

arrow up