رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

كل الطرق تؤدي إلى انخفاض أسعار الأراضي والعقار

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كان الحديث عن مجرد توقع "استقرار" أسعار الأراضي والعقار، وعدم استمرار ارتفاعها، قبل نحو عامين إلى ثلاثة أعوام؛ أشبه بالتحليق في سماء الخيال بالنسبة لكثير من الأفراد، وعلى وجه التحديد بالنسبة لتجار الأراضي والعقار. أما من توقع "انخفاض" الأسعار خلال الفترة نفسها، فقد كان أقل ما لحقه من أوصاف وردود فعل، أن وصف بالجنون أحيانا، والهذيان أحيانا أخرى! كل هذا أصبح اليوم في طي النسيان بالنسبة للذاكرة الضعيفة الحفظ، إلا أنه لا شك قد توثق في صفحات التاريخ، ويستطيع المرء العودة إليه متى شاء، لأجل دراسته ومقارنته والبحث فيه لأي هدف شاء. الشاهد اليوم، وبلغة البيانات الفعلية للسوق العقارية المحلية والإحصاءات الرسمية، أن ما كان أمس مستعصيا جدا على الاستقرار والثبات، وأن قدره الاستمرار في الارتفاع فقط! دع عنك مجرد الجنون أو الهذيان بأن يلحق به شيء من الانخفاض؛ ها هو اليوم يعترف فعليا وعلى أرض الواقع بلغة البيانات والإحصاءات الرسمية، أنه قد انخفض خلال أقل من عامين فقط بنسب وصلت إلى 14 في المائة للقطاع السكني، وإلى نحو 23 في المائة للقطاع التجاري، وفقا لأحدث مؤشرات الهيئة العامة للإحصاء عن السوق العقارية المحلية. ولأن العوامل والأسباب، التي استند إليها قبل نحو ثلاثة أعوام من تاريخ اليوم، وبناء عليها تم بناء توقعات اتجاهات الأسعار في السوق العقارية المحلية، التي لا تزال رغم الانخفاض الطفيف أعلاه تعد متضخمة جدا، مقارنة بارتفاعاتها الشاهقة جدا خلال 2006 ـــ 2014 بمعدلات فاقت 1000 في المائة في المدن الرئيسة. أؤكد أن تلك العوامل والأسباب، التي ما زالت سارية المفعول، وقياسا على تعاظم قوتها وتأثيرها، واتساع نطاقاتها بأكثر مما كانت عليه في بداية الفترة، بل زيادة عديد من العوامل الاقتصادية والمالية الراهنة، المشابهة للعوامل السابقة، التي يمكن تلخيص أبرزها على سبيل المثال لا الحصر فيما يلي: (1) انخفاض أسعار النفط بنحو 58.3 في المائة خلال الفترة من منتصف 2014 حتى الوقت الراهن، واستمرار ذلك الانخفاض طوال الأعوام التالية (انخفاض النفط العربي الخفيف بنسبة 48.7 في المائة خلال 2015، وانخفاضه بنسبة 17.8 في المائة خلال 2016). (2) أدى انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض الإيرادات النفطية الحكومية بنسبة 63.5 في المائة، خلال الفترة من 2014 إلى 2016، منخفضة من 913.3 مليار ريال بنهاية 2014 إلى نحو 333.7 مليار ريال بنهاية 2016، وما ترتب عليه من انخفاض للتدفقات الداخلة على الاقتصاد عموما، بما يمثله الإنفاق الحكومي من وزن كبير على مستوى السيولة المحلية. (3) أدى كل ذلك إلى تباطؤ معدل النمو السنوي للسيولة بتعريفها الواسع إلى أدنى من 0.4 في المائة بنهاية أيار (مايو) الماضي، مقارنة بنحو 12 في المائة خلال 2014، وتراجع أيضا خلال الفترة النمو السنوي للائتمان المصرفي نفسه من 11.8 في المائة خلال 2014 إلى نحو ـــ 0.7 في المائة بنهاية أيار (مايو) 2017، وتباطأ النمو السنوي للقروض العقارية من 31.3 في المائة خلال 2014 إلى أدنى من 9.8 في المائة في نهاية الربع الأول من العام الجاري. (4) ارتفاع معدل الفائدة على الريال (متوسط أسعار الفائدة بين المصارف لثلاثة أشهر) بالضعف خلال الفترة من 2014 إلى 2017 من 0.86 في المائة بنهاية كانون الأول (ديسمبر) 2014 إلى 1.73 بنهاية أيار (مايو) 2017، علما أنه قد وصل إلى 2.4 في المائة بنهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2016، وهو العامل المرتبط بارتفاع تكلفة رأس المال. (5) العامل الأهم والأبرز هنا؛ بدء أكبر عمليات إصلاح هيكلية للاقتصاد الوطني ضمن "رؤية المملكة 2030"، وما تضمنته حتى الوقت الراهن من أكثر من 18 برنامجا للتحول والتطوير، شملت القطاعات التنظيمية كافة، تستهدف تحويل الاقتصاد الوطني من الاعتماد المفرط على النفط كمورد وحيد للدخل، إلى اقتصاد قائم على قاعدة إنتاج متنوعة ومتعددة، وهذا يحمل في طياته كثيرا جدا من التحولات العملاقة في الاتجاهات كافة، لعل من أهم ما يشار إليه هنا في خصوصها؛ أنها ستقضي على أغلب إن لم يكن جميع التشوهات الهيكلية محليا، التي تسبب جزءٌ كبير منها في إشعال وتيرة الأسعار في السوق العقارية، وتفاقم أشكال احتكار الأراضي والمضاربة عليها، لتحل محلها بيئة محلية أكثر تنافسية وإنتاجا، وتوظيفا أفضل للثروات والأموال والموارد في القنوات التي تعزز من الاستقرار والنمو الاقتصادي الوطني. هذا إضافة إلى بقية العوامل الأخرى المرتبطة بعمليات ونتائج تنفيذ برامج "رؤية المملكة 2030"، التي تمتد إلى مختلف قطاعات ونشاطات الاقتصاد الوطني، بدءا من سوق العمل المحلية، مرورا بتصحيح أوضاع العمالة الوافدة، وبدء تطبيق عديد من الرسوم والضرائب على ملكية الأصول والسلع المعمرة (كرسوم الأراضي البيضاء)، ورفع تكلفة استهلاك موارد الطاقة محليا، إضافة إلى ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية ورسوم العمالة الوافدة ومرافقيها، التي ستترك آثارا عميقة جدا على أوجه النشاط الاقتصادي محليا على وجه العموم، وعلى السوق العقارية المحلية على وجه الخصوص. كما سيؤدي ما تشهده السوق العقارية المحلية في الوقت الراهن ومستقبلا، من ارتفاع حجم عروض بيع الأراضي والوحدات السكنية (يبلغ عدد الوحدات السكنية الشاغرة الآن 1.1 مليون وحدة سكنية)، وإعلانات ضخ أكثر من 1.5 مليون وحدة سكنية أخرى خلال الأعوام القليلة المقبلة، إلى الضغط بوتيرة أكبر على مستويات الأسعار المتضخمة عقاريا، وستعمل العوامل كافة، السالف ذكرها أعلاه وغيرها من العوامل والمتغيرات التي لم يتسع المجال لذكرها هنا، على إحداث مزيد من تصحيح الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات باختلاف أنواعها، وستمتد أيضا إلى خفض تكلفة الإيجارات السكنية والتجارية والصناعية عموما، وهو الأمر الإيجابي الذي سينعكس على انخفاض تكلفة المعيشة في جانب إيجارات المساكن، التي تستقطع بين 40 إلى 55 في المائة من دخل الأسر، وبما يساعدها في الوقت ذاته على امتصاص صدمات ارتفاع بنود معيشية أخرى كفواتير استهلاك الكهرباء والمياه والبنزين. كما سينعكس إيجابا على انخفاض تكلفة الإنتاج بالنسبة لمنشآت القطاع الخاص (تكلفة الإيجارات)، بما يسهم أيضا في سرعة تكيفها مع ارتفاع فواتير استهلاك موارد الطاقة عموما. ختاما؛ إن كل ما شهدته السوق العقارية المحلية من انخفاض "محدود" خلال آخر عامين، ليس إلا بداية الطريق لتصحيح الأسعار المتضخمة خلال الأربعة إلى الخمسة أعوام القادمة، يتوقع أن يستمر وتزداد معدلاته بصورة أقوى- بمشيئة الله تعالى- بالتزامن مع استمرار العوامل والمتغيرات الاقتصادية والمالية، إضافة إلى زيادة وتيرة الإصلاحات الهيكلية الراهنة لبرامج وسياسات "رؤية المملكة 2030"، واتساع نطاقاتها وآثارها مستقبلا. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up