رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

إنهاء نزاع الفرقاء حول البطالة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يظهر التتبع التاريخي خلال 2011 - 2017، لتطور توظيف السعوديين والسعوديات في القطاع الخاص، ارتفاع معدل التوطين "السعودة" من 10.4 في المائة مطلع 2011 إلى 18.0 في المائة بنهاية الربع الأول 2017، وأظهر أيضا للفترة نفسها؛ ارتفاع أعداد العاطلين "ذكور، إناث" من 501 ألف عاطل بمعدل بطالة 11.2 في المائة مطلع 2011، إلى 723 ألف عاطل بمعدل بطالة 12.7 في المائة بنهاية الربع الأول 2017. تتضمن هذه التطورات كثيرا من التفاصيل الدقيقة، التي يجدر التركيز عليها بدرجة كبيرة، وهي أهم من مجرد النظر إلى السقف الأعلى لكل ما تم إنجازه خلال أكثر من ستة أعوام مضت من عمر برامج التوطين، فلا تقف حدود النظر هنا عند: لماذا على الرغم من ارتفاع نسبة التوطين في القطاع الخاص بهذه الوتيرة السريعة، من 10.4 في المائة إلى 18.0 في المائة، ارتفع أيضا معدل البطالة للفترة نفسها من 11.2 في المائة إلى 12.7 في المائة؟ بل تتجاوزه إلى الدخول في تفاصيل أدق، ترتبط بزيادة تركز البطالة بين صفوف العاطلين من المواطنين، التي أظهرت تركزها بنهاية الفترة في صفوف حملة الشهادة الجامعية فأعلى، وصلت إلى 50 في المائة من إجمالي العاطلين (51 في المائة من إجمالي الباحثين عن عمل)، وتركزها أيضا في شريحة الشباب بنسبة وصلت إلى 88.7 في المائة من إجمالي العاطلين (51.6 في المائة من إجمالي الباحثين عن عمل)، وكثير جدا من التفاصيل الدقيقة الأخرى، التي لا يمكن أن يتسع لها مقال أو حتى مجموعة مقالات، بل تتطلب دراسات مستفيضة، تتعمق في البحث والدراسة وفهم كل ما يجري داخل السوق، للخروج بتصورات أدق وفهم حقيقي، يمكن أن تخدم فعليا في رسم السياسات والبرامج الهادفة إلى رفع معدل توطين الوظائف في القطاع الخاص، والحد من ارتفاع معدل البطالة، وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة إلى أدنى مستوياته. ينصب التركيز اليوم على ما تم قطعه في الشوط الأخير لسوق العمل المحلية، الذي استغرق أكثر من ستة أعوام مضت في طريق محاربة البطالة، والشوط الأخير ليس إلا ما تزامن مع برامج التوطين الأخيرة، إذ سبقته أشواط طويلة خلال أكثر من عقدين. بدأت وانتهت تلك الأشواط السابقة، وأهمها بكل تأكيد شوطها الأخير؛ إلى تشكل ثلاثة فرقاء تتضارب مصالحهم في الغالب، الفريق الأول: ممثلا في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بصفتها المنظم والمراقب لسوق العمل. الفريق الثاني: ممثلا في منشآت القطاع الخاص، بصفته البيئة المستهدفة باستيعاب وتوظيف الموارد البشرية الوطنية الباحثة عن العمل. الفريق الثالث: ممثلا في الموارد البشرية الوطنية، سواء العاملة في السوق أو الباحثة عن عمل. ولا يعني هذا التفنيد المحدد لثلاثة أطراف عدم وجود أطراف أخرى، بل يوجد العديد إلا أن علاقتها بأرض الحراك تأتي عبر قنوات غير مباشرة، منها جهات التعليم العام والعالي ومؤسسات التدريب والتأهيل، ومنها أيضا الجهات المعنية بالإشراف على بيئة الاستثمار والأعمال المحلية، ومنها أيضا حتى الجهات المعنية برسم وتطبيق السياسات الاقتصادية والمالية المختلفة، ومنها أيضا حتى المجتمع ممثلا في الأسر، ومنها أيضا الإعلام بكل ما يحتويه من وسائل وفاعلين معنيين بما يجري في السوق. سيتم التركيز هنا على الفريق الأول "القطاع الخاص"، على أن يأتي الحديث بمشيئة الله تعالى حول الفريقين الآخرين، والأطراف الأخرى ذت العلاقة المباشرة بسوق العمل في المقالات القادمة. يعتقد الفريق الأول "القطاع الخاص"، أنه أنجز كثيرا في هذا الصدد، وأنه قام بتلبية أغلب متطلبات التوطين التي وضعتها الدولة، وهو أمر له شواهده إحصائيا، نظير ما شهدته السوق من ارتفاع أعداد المواطنين العاملين في القطاع من نحو 725 ألف عامل مطلع 2011، إلى نحو 1.8 مليون عامل بنهاية الربع الأول 2017. إلا أنه في الوقت ذاته؛ لا تجد لدى ملاك القطاع الخاص ردا شافيا على تفسير ارتفاع العمالة الوافدة لديه في الفترة نفسها، من 6.9 مليون عامل وافد إلى نحو تسعة ملايين عامل! ولا ردا شافيا على أسباب زيادة لجوئه للتوظيف الوهمي، تجاوزا لاشتراطات برامج التوطين، ليصل إلى زيادة غنيمته الدسمة جدا من استقدام مزيد من العمالة الوافدة الأرخص تكلفة، وأخيرا وليس آخرا، لن تجد لديه ردا شافيا لإفراطه أخيرا في فصل العمالة الوطنية من وظائفها، متعذرا بالأوضاع الاقتصادية الراهنة غير المواتية، الأمر الذي لم تظهر الإحصاءات الرسمية حدوثه بالقدر نفسه في خندق أرصدة القطاع من ملايين العمالة الوافدة! نعلم يقينا أن سياسات وبرامج التوطين، قد تتطلب من منشآت القطاع الخاص أعلى ما تستطيع، ويأتي فوق طاقتها المحدودة، ولا غرابة أو صدمة في ذلك! فقد أنتج نسيج السياسات الاقتصادية طوال أكثر من أربعة عقود، سلسلة معقدة من التشوهات الهيكلية محليا، تحاول بلادنا اليوم ومستقبلا الخلاص منها ومن آثارها تحت "رؤية المملكة 2030". كان من تلك التشوهات تشكل أغلب منشآت القطاع الخاص إن لم يكن كله، الذي انغمس في أمرين: (1) الاعتماد المفرط على الدعم والتحفيز الحكومي، وتحول هذا الاعتماد المفرط إلى ما يشبه حليب الرضيع، وعجز القطاع عن الفطام رغم تلك العقود الزمنية الطويلة، التي كانت فترة كافية لأن ينهض ويستقل ويتحول إلى داعم للاقتصاد الوطني عموما، والحكومة على وجه الخصوص، إلا أن منهجية الإدارة لديه التي ارتكزت كثيرا على العمالة الوافدة، وظنت استدامة هذا الدعم إلى ما لا نهاية، تسببت في حدوث صدمة التحول الحكومي بالنسبة لرجال الأعمال والتجار، وما نتج عنه حتى تاريخه من تعثر وتخبط خطوات منشآت القطاع الخاص. (2) الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة الرخيصة التكلفة، فما كان أمرا مؤقتا لا بد منه في مطلع تنفيذ الخطط التنموية قبل أكثر من أربعة عقود زمنية، تحول أيضا إلى ما يشبه الإدمان بالنسبة لقطاع الأعمال لدينا، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم التفكير فيه من قبل منشآت القطاع الخاص، التي تسيطر على أغلب صنع قراراتها العمالة الوافدة، التي مالت بموجب صلاحياتها القوية إلى زيادة الاستقدام على حساب زيادة التوطين! وقد كفلت جميع الأوضاع والمتغيرات القائمة في السوق، اتساع وتمدد زيادة الاستقدام، مقابل التوطين "الطارئ" متى ما استدعت الحاجة، أو حدثت ضغوط من وزارة العمل. لهذا؛ تجد أن دفاعات القطاع الخاص ترتكز على ضرورة استمرار الدعم الحكومي للمحافظة على نموه، وعلى استحالة الاستغناء عن أغلب العمالة الوافدة إن لم يكن كلها للقيام بالأعمال وأداء النشاط، وهو الأمر المستحيل استدامة حدوثه، دع عنك استدامة حق المطالبة به! ذلك أن المرحلة الراهنة ومستقبلا تتطلب من القطاع الخاص العكس تماما، بأن يتحول من مدعوم إلى داعم للحكومة، وأن يتحول من الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة إلى العمالة المواطنة، فإن أراد البقاء ليس له إلا هذا الطريق، وإن عجز فليس له إلا إخلاء مكانه لآخرين لديهم القدرة على تحقيق ذلك، والوفاء بالمتطلبات الجديدة للاقتصاد الوطني. وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.
نقلًا عن الاقتصادية

arrow up