تركي الحمد والعصر الجاهلي: قراءة فيما وراء القراءة

غرد المفكر السعودي تركي الحمد مؤخرا خول ضرورة اعادة الاعتبار للعصر الجاهلي كمكون مهم من مكونات تاريخنا. واستشهد بأن النهضة الأوربية قد بنيت على احياء التراث الغربي القديم المتمثل في التراث اليوناني والروماني. ولقد واجه الحمد سيلاً من الهجوم التويتري الغير مبرر على هذه التغريدة. وقد اثبتت لي هذه التغريدة والردود عليها العديد م الأمور التي كنت اعتقدها. ولعل أول هذه الأمور ان مجتمعنا لايزال وللأسف يرزح تحت "لعنة" التصنيفات وهي الحق الذي اريد به باطلا. فالعقل البشري يلجأ الى التصنيف من اجهل تسهيل عملية التعامل مع الأفكار والأشخاص. وأما لدينا يلجأ البعض للعبة التصنيفات من اجل تسهيل الشيطنة والحكم بالإعدام الاجتماعي. فتركي الحمد مفكر كبير سواء اتفقنا مع اطروحاته ام لم نتفق.
وواجبه كعقلية فاعلة في المجتمع علينا احترام افكاره وعدم وضع هذه الأفكار في سلة واحدة وهي سلة الحكم المسبق على شخصه وتصنيفه ضمن فئية معينة لايمكنه الخروج منها. أما ثاني هذه الأمور التي اثبتتها هذه التغريدة وكيفية التعامل معها في الفضاء الأزرق ان بعض افراد مجتمعنا لايزالون يحملون كمية عنف خطيرة. ولو قدر لها العنف ان يجد متنفساً غير تويتر لرأينا عواقب وخيمة. وهذه النقطة جديرة بالتأمل من صناع القرار بضرورة تفريغ هذا العنف عن طريق الأليات المتبعة والناجعة. وتأتي حقيقة ردود البعض دون فهمهم الحقيقي لما يردون عليه كثالث الاشكاليات التي كشفتها هذه التغريدة.
فعلى ما اعتقد لم يفهم بعض من رد على هذه التغريدة ما قصده الحمد. فالعصر الجاهلي هو العصر الذي يسبق ظهور الاسلام بمائة سنة، وليس كل الفترة السابقة على الاسلام. وما من شك بأن العصر الجاهلي وهو يقع ضمن سياق تاريخنا القديم (السابق على الاسلام) يعتبر مكونا زمنيا وتاريخيا من التاريخ العربي والاسلامي بشكل عام ومن تاريخنا الوطني بشكل خاص. فتاريخنا الوطني هو تاريخ تفاعل انسان هذه الارض معها والذي يعود حسب بعض الادلة الأثرية الى مايزيد عن مليون سنة. ويحتل العصر الجاهلي مكانا محوريا في هذا التاريخ للعديد من الأسباب.
ففي العصر الجاهلي كانت اللغة العربية واضحة المعالم، بل واصبح هناك خطا عربيا مستقلا لهذه اللعة تم اشتقاقه من الخط النبطي وكان هذا الاشتقاق في شمال غرب الجزيرة العربية. وفي اواخر العصر الجاهلي نجح العرب في خلق تحالف عربي هزم الفرس في موقعة "ذي قار" التي اصبحت حجر الزاوية في الوعي العربي بهويته. وبلغ التيار الحنفي اوجه في العصر الجاهلي. وفي العصر الجاهلي ولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وعاش جزءا من عمره. كما عاش الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم. وكان للعرب في هذا العصر الكثير من الجوانب الايجابية قال فيها النبي "انما اتيت لأتمم مكارم الاخلاق". كما لايمكننا فهم ظهور الاسلام وعقائده وانتشاره دون الفهم الصحيح للعصر الجاهلي.