رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبد العزيز الخريجي
عبد العزيز الخريجي

الخروف العربي.. وموجة الاستعمار الثانية!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ربما كانت مسألة التعليم وأهميته مسألة بديهية، ولكنها كحال المسلمات تُنسى وتتَرْك مكانتها للطارئ من الأحداث وان قلّت أهميته فيتم تناولها وكأنها مسألة جانبية على هامش الحدث. وبينما يتم التركيز على مخارج أزمة "الخروف" العربي يتم تأجيل منابلة كارثة ما بعد الحرب، كارثة الأمية!! إن تبعات الجهل ماثلة أوضح ما يكون المثول في ميادين الأزمة العربية من لوي عنق المفهوم وتفريغ الكلمة من المضمون، ومن تدليس وإخراج للنص عن سياقيه العام والخاص. أما على مستوى الاقتصادي فتشير الدراسات بوضوح إلى أن الخصوبة تزداد وتتدهور الصحة في المجتمعات الجاهلة فيزيد الضغط على الاقتصاد. وزد على ذلك ما فطن له لي كوان يو من أثره في تقليل الوعي بالمخاطر الفردية والمجتمعية، وملازمة الجهل للتطرف ملازمة الظل لصاحبه، أو بعبارة أخرى: إن حروب التغّول في العالم العربي لم تبدأ بعد!
لو أخذنا سوريا كمثال لأزمة التعليم، فتشهد مناطق سيطرة النظام مشكلات تتعلق بقدرة الأبنية المدرسيّة على استيعاب الطلاب النازحين من مناطق الصراع، ومشاكل اقتصادية تتعلق بتوفير مستلزمات الدراسة على الرغم من انتظام قرابة ال 4 مليون ونصف طالبًا إلى مدارسهم في العام الدراسي 4201/2015. أما مناطق الصراع وبحسب آخر تقارير اليونيسكو (٢٠١٧) فتشير إلى حاجة ٨.١ مليون سوري للتعليم في سوريا وفي البلدان المجاورة. وأحصت اليونيسف ما يزيد على ٥٠٠٠ مدرسة في البلاد لا يمكن استخدامها لأنها تعرضت للدمار والضرر أو أنها أصبحت تأوي النازحين أو تستخدم لغايات عسكرية وسجونًا للمعتقلين. كما روت تقاريرها بعض القصص عن أطفال نسوا القراءة والكتابة في المخيمات لاضطرارهم للعمل. كما أن هنالك تسرباً للمعلمين والطلاب من القطاع التعليمي للمخاطر الأمنية وطلباً لوسيلة أفضل لتحصيل الغذاء من الجلوس في الفصول الدراسية، وكل هذا دون الخوض في مسألة جودة التعليم في هذه الظروف. وللتنبيه فإن تقارير اليونيسف هذه لم تحدّث منذ ٢٠١٥، ولا حاجة للاستنتاج بأن المشكلة قد تفاقمت لتفوق الحصر. ولقد تناولنا سوريا هنا للقياس فقط فالمشكلة التعليمية لا تختص بسوريا. فهنالك اليمن وليبيا ومصر والعراق والقائمة تطول ومما لا شك فيه أن الربيع العربي قد انحط بمستوى التعليم العربي ليُحيلنا إلى عصر الأمية ومن ثم مواجهة الاستعمار كنتيجة، فالشعوب الأمية تستعمر والمتعلمة تحتل والمتكافئة تتحارب الند بالند. لقد نحر التعليم العربي كما تنحر الخراف فصار الخريف "خروفاً " بعد أن كان ربيعاً
ومع هذه التحديات نحتاج إلى الحلول، من تلك الجودة التي تزول أمامها حواجز الزمان والمكان، تختلف عن المبادرات المجتمعية محدودة التأثير وأن نشمّر لها، فالظروف ليست تقليدية. قد يكون ذلك من خلال مناهج مبتكرة تختصر السنين وتسابق الزمن وتركز على الحساب والقراءة والكتابة وأدوات البحث عن المعلومة و، تبتعد بذلك كل البعد عن التلقين والحشو. فتعليم الانسان مهارات البحث يختصر عليه سنوات من التلقين ويختصر الكثير من المادة المنفقة على تعليمه. وقد يكون ذلك من خلال جولات دراسية يقوم بها خبراء في التعليم لمدة أسابيع أو أشهر تفي بمعظم المطلوب كما في حالات الدراسة بالانتساب، وأترك الأمر مفتوحاً لأهل العلم في التعليم. وإن كانت هنالك بعض المخاوف حول مخرجات وسائل التعليم المبتكرة في هذه الظروف فأكاد أجزم بأن التعليم في العالم العربي رديء بالأساس ومليء بالساعات الضائعة والمناهج عديمة الفائدة. وكمثال للأفكار الإبداعية المنفذة في حل المشكلة، مبادرة اليونيسيف " لا لضياع جيل" فبالإضافة الى ال 2,2 مليون الذين وصلت إليهم اليونيسف في مناطق النزاع قامت بتنفيذ برنامج للتعلم الذاتي لتتمكن من الوصول لحوالي 500,000 طفل في مناطق النزاع والتي أغلقت فيها المدارس أبوابها.
أخيراً، لقد أصبحت المنطقة العربية منطقة صراعات غير مسبوقة ومن حسن الطالع أن هنالك دول ما زالت تنعم بالاستقرار. وواجب تلك الدول دفع المنطقة نحو الاستقرار من خلال الحفاظ على استقرارها أولاً ومن ثم دعم بوادر الاستقرار في الدول المضطربة، فدفع عجلة التعليم والتنمية بلا استقرار مضيعة للوقت وطمع في غير مطمع. أما الشعارات المستوردة عن الديموقراطية فقد تخلى عنها مورديها في الغرب وقد استبدلها الاتحاد الأوربي بجملة مستحدثة في أدبيات السياسة "الاستقرار عوضاً عن المبدأ"!!
الاستقرار بأي ثمن ثم نذهب إلى حيث أراد الله

arrow up