رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد الساعد
محمد الساعد

دعوة لوقف إطلاق النار بين التيارات!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هل حان الوقت لإعلان وقف إطلاق نار فوري وحقيقي بين التيارات المتصارعة في السعودية، يكون ملزما في روحه وتفاصيله، وقادرا على استيعاب الأفكار وتبادلها وتفهمها في الوقت نفسه. وأن يكون كل من في تلك التيارات، سواء منتسبا لها أو متعاطفا مع ما تطرحه، على قناعة تامة بأن التصالح هو خيار حياة، وأن الاستمرار في الخصومة بهذا الانتقام والتشنيع والترصد، هو طريق موت، لا عودة بعده لأحد. كما أنه من الصحي من كل الأطياف النظر «للتعايش» باعتباره ضرورة وليس ترفا، ولا تكتيكا، يمكن النكوص عنه أو التحايل عليه أو استخدامه جسرا للوصول إلى المصالح الضيقة، ثم الانقلاب عليه. لقد أصبح من الملح الآن وقف هذا النزيف والتشظي الاجتماعي الذي أصاب الجسد الوطني بكل أطيافه، إيمانا بفكرة الاختلاف، وتأصيلا لقبول الآخر مهما كان متباينا معنا. لا شك أن التدافع الفكري الذي تشهده المملكة منذ عقود، هو تدافع صحي يؤكد على حيوية السعودية، وتطلع نخبها ومجتمعاتها للحياة والفرح والتعارف، وتبادل الأفكار وضرورة تقاسمها مع العالم. وهي طبيعة الإنسان منذ خلقه الله، وأن الوقوف ضدها هو وقوف ضد الفطرة السليمة، ولابد للعقل البشري مهما تغولت فيه وحوله مجاميع الغلاة أن يعود لخيار الانفتاح. إذن الحرب «الفكرية» التي شهدتها وتشهدها الساحة الثقافية والمذهبية والفقهية في المملكة، تدفع اليوم نحو طريقين لا ثالث لهما، الأول إما التعايش بكل تكاليفه وتنازلاته، وهو يبقى أفضل وأقل كلفة من الطريق الآخر، المتشح بالدمار والدم، وخسارة بلد عظيم -لا سمح الله-، محظوظون أننا نستظل بسمائه ونعيش فوق ترابه الطاهر. ولنعد قليلا للوراء لنعرف كيف بدأ هذا الصراع، وهل هناك أمل في التشافي منه، خاصة أن كل التجارب الإنسانية تقول إنه لا مجال لاستئصال الأفكار، ولا يمكن لفئة أن تلغي الأخرى، مهما اختلفت معها فكريا أو عرقيا أو مذهبيا أو دينيا. بدأ هذا الصراع منذ نشوء ما يسمى بتيار الصحوة في المملكة، بداية الثمانينات الميلادية في أعقاب عقود من التدين الوسطي المتسامح والعيش المشترك بين كل الأطياف. هذا التيار استند في انطلاقته على ما خلفه هجوم جهيمان وزمرته على الحرم المكي الشريف من آثار نفسية عميقة لدى المجتمع، دفعته للاستسلام لمن يستخدم العواطف والصريخ في خطابه. لقد استطاع تيار الصحوة صناعة خصومه بسرعة فائقة، ويبدو أن الهدف كان إثبات وجوده وتأكيد قوته، إضافة للفت الانتباه لرموزه. فاستهدف نمط الحياة التي عاش بها السعوديون، سنة وشيعة، بدوا وحاضرة، متمدنين ومحافظين، وغيرها للأبد. وحارب التكنوقراط، من وزراء الحكومة، ومسؤولي مؤسساتها الاقتصادية والمدنية، ومديري الجامعات، ورؤساء الأندية الأدبية، والشعراء والمفكرين، والفنانين والموسيقيين، والصحفيين والكتاب، وكل وجوه التمدن في السعودية، من مسرح وسينما.. إلخ. وقدم نفسه باعتباره تيارا قيما على حياة الناس، وحكما فيها ومتحكما في تفاصيلها، فأصاب الصحوة حينها الغرور وجزمت أنها قادرة على استئصال ثقافة الناس وتاريخهم وحياتهم، فما الذي حدث. ما حصل كان رفض التيارات الفكرية والفئات الاجتماعية والمذهبية الأخرى لفكرة الاقتلاع، وتمترست خلف ثقافاتها الخاصة، أو ذهبت خلف الكلمة والقصيدة والكتاب، والصحيفة والمقالة. لقد لاقى المجتمع ويلات حرب لم يكن لها ما يبررها، أجزم أنها من هيأ اليوم ثقافة التكفير والقتل، واستسهال الدماء المعصومة، وهي التي بدأت بفكرة هجر المخالف، ومن ثم تحريم مأكله ومشربه، ليتلوها تكفيره وأخيرا تفجيره وقتله. إذن ما لم يتحقق منذ أربعين عاما، لن يتحقق اليوم ولا مستقبلا، ولم يعد أمام كل التيارات إلا مد يد المصالحة والتنازل وتناسي الآلام، وغض النظر عن الخسائر والمكاسب الحزبية الضيقة، والدعوة لعيش مشترك متساو كتفا بكتف. نقلا عن عكاظ

arrow up