رئيس التحرير : مشعل العريفي
 كوثر الأربش
كوثر الأربش

قصيدة عن «الوطن»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

دعوني أكتب قصيدة. العنوان؟ نضعه معًا، أنا وأنت.
هنا طفل، شيخ، قطة، وسيارة تقف أمام باب أحد البيوت التي تعرفها. هنا جدار قديم كتب عليه شخص ما، ربما في الليل كي يتخفى عن عيون الناس.. كتب عبارة كنت تتأملها كثيرًا في طفولتك، في الطريق للمدرسة وأنت على المقعد الخلفي. تحاول أن تحيك قصة، لصاحب المخطوطة على الجدار القديم، تعرف جيدًا أنه أحد أبناء حارتك، وأنه، ربما، مهموم للغاية، ولا أحد يسمعه.
هنا بحر، سهل أخضر، صحراء رحيبة وغامضة، جبال كان يتسلقها أحد أجدادك لملاحقة طريدة. كل مرة أرى كثيب رمل، أتذكر أن أمي قالت لي يومًا، حينما اكتشفت موهبتي على الرسم باكرًا، قالت: جدتك «مريم» كانت ترسم باصبعها على الرمل. جدتك أنت أيضًا، كانت تفعل شيئًا ما قبل أن ترحل، إن كنت لا تعرفه، فتش في ذاتك!
هنا، في أول يوم دراسي، ترى زملاءك متأنقين، مثل يوم العيد تقريبًا. ربما بعضهم ما زالت علامات النوم عالقة في جفنيه، ويبدو متذمرًا وتعيسًا، تعرفه جيدًا، ابن جيرانك الذي يحب السهر.. ربما تضحكون معًا، وتلقبونه لقبًا يلتصق به حتى تشيخون. لاحقًا، تلتقون مصادفة في مكان ما، ربما في أحد شبكات التواصل. هنا ملتقى الناس الذين يحملون في طيات ذاكرتهم جزءًا منك.. جزءًا ربما نسيته أنت.
هنا، في مكان ناءٍ، في مقبرة الحي، ينام أجدادك الطيبون، الراحلون من أقاربك وجيرانك. حين تقرأ الفاتحة فإن ذاتك تحفل بأجزائك المتناثرة تحت الرمل. وتريد بكل قوة أن تكمل مسيرة الماضين.
هنا، صالة مسافرين داخلية، أحدهم يرتدي شماغًا، آخر غترة بيضاء، آخر جينزًا.. جميعهم يمسكون في أكفهم جوازًا أخضر كجوازك، ذاكرة تشبه ذاكرتك. جميعهم كانوا ضمن الدائرة التي لملمها الرجل الحصيف والشجاع عبدالعزيز في مساحة حملت اسم «وطن». عبدالعزيز، الذي نراه يبستم في خيالنا، ونحن نحتفل بكل إنجاز وطني اليوم. عني، تخيلته مبتسمًا مرارًا. مرة في إعلان رؤية المملكة 2030، مرة حين أعلن عن مشروع البحر الأحمر، حين دشن مشروع المترو، حين أتم بناء ملعب الجوهرة، حين تم تمكين المرأة في شؤون كثيرة.. ماذا أيضًا؟ فكر معي.
هنا، شباب يشبهونك، يفكرون بأمهات يشبهون أمك، وهم مرابطون على الحدود، الفرق بينكما، أنك قد ترى أمك، زوجتك، أبناءك، في الغرفة المجاورة، وهم يفكرون في كل ذلك، ويشتاقون. هنا ترفرف لهم ملايين الدعوات، ملايين الأمنيات الطيبة.
هنا فتاة ذكية، عادت من الغربة بشهادة رفيعة، تحمل معها أحلاماً كبيرة. وغدًا أكبر، يجعل حياتك أكثر راحة وسعادة ورخاء.
هنا.. «وطن» هو كل ما ذكر أعلاه، وأكثر.. أكثر..
نقلا عن "الجزيرة"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up