هل للعولمة تاريخ أم أنها مجرد مصطلح !؟
علينا أن نسأل هل للعولمة تاريخ أم أنها مجرد مصطلح أطلق في العقد الأخير من فراغ ؟ .. الذي يدعونا إلى إلقاء هذا السؤال حقيقة منهجية في كافة العلوم الإنسانية وهى : أننا لا يمكن أن نتوصل إلى تعريف حقيقي وواقعي صحيح للظاهرة التي ندرسها إلا من خلال تاريخها … وكما يقول أحد الفلاسـفة : إن كل ما ليس له تاريخ لا يمكن تعريفه تعريفاً مفيداً .. لأن تجليات الظاهرة في التاريخ عبر مراحل تطورها هو الذي يجعلنا نعـرف أوصـافها وماهيتها ووظيفتها وأسـباب وجودها …الخ . العولمـة في التاريـخ : الأصول أو الجذور الجينية (Gina tic) للعولمة…. نجدها مركوزة في نزعة الإنسان الفطرية للتمدد والتوسع في الحدود والانتشار . فمنذ أقدم العصور يحاول كل مجتمع ـ يجد بين يديه ديناً خاصاً به ـ نشره على المجتمعات الأخرى ، فيخترق حدوده الخاصة ويتمدد خارجها محاولاً تعميم هذا الدين . وهذا المجتمع حين يحاول فتح الحدود مع الآخرين وإشراكهم في عبادته الخاصة يصطحب معه تجارته لترويجها خارج حدوده ، ومن هنا عملت الإمبراطوريات القديمة .. الشرقية في الصين والهند وفارس وغيرها .. والغربية في أثينا وروما ومقدونيا ، على إقامـة الطرق القارية الطويلة ، والتي هي طرقاً تجارية اقتصادية . وكانت هذه الطرق تحمل البضائع والأفكار والعقائد بين دول العالم القديم ، وتسعى لأن توحد بقاع العالم على نمط اقتصادي وفكري واحد .. كانت تلك إذن محاولات للعولمة تخضع لظروف وإمكانيات تلك المراحل المقدمة من تاريخ التبادلات البشرية … وكانت وسيلتها إلى ذلك تلك الطرق التجارية القديمة التي اشتهرت في التاريخ مثل طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب . ويمكن أن تلحظ أثر هذه الطرق في تاريخ الجزيرة العربية بشكل أكثر وضوحاً في تاريخ الدعوة الإسلامية ، وكلنا نعرف رحلتي الشتاء والصيف التي تربط ما بين اليمن والشام وإلي ما وراءها عبر ملتقى الطرق التجارية في مكة المكرمة ، وكيف أن وضعها هذا كان من أكبر الأسباب ، وأكثر العوامل التي هيأت لها أن تلعب الدور الذي لعبته بعد البعثة التي ازدهرت في المدينة المنورة . ورأينا في التاريخ كيف أن موقع المدينة المنورة نفسها كان عاملاً حاسماً في زعزعة وتهديد مكانة مكة المكرمة كملتقى طرق تجارية ، مما ساعد على فتحها على أيدي أكرم خلق الله إليه النبي الأكرم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسـليم . ورأينا كيف أن الدين ورسالته كان ينتقل مع القوافل التجارية يخترق المجتمعات البعيدة عن هذه المدينة وهى نبض القلب الإسلامي في حياة الرسول (ص) وخلفاءه الراشدين من بعده . وفيما بعد تمدد الدين الإسلامي ، وتمددت بالتالي تجارة العرب والمسلمين لتشمل كل القارات القديمة فشرقاً من أقاصي آسيا إلى أقاصي أفريقيا غرباً وجنوباً وإلى أوروبا في أسبانيا وفرنسـا شمالاً . وقد شكل الإسلام ديناً ـ ثقافة وعلماً وتجارة ـ قفزة نوعية في تاريخ العولمة إلى القرن الخامس عشر ، حيث نجح البرتغاليون في تطوير التقنية البحرية التي تستطيع عبور المحيط الأطلس . وبدأ تفوق الغرب منذ القرن السادس عشر بسيطرته على الطرق البحرية ثم البرية ، ثم بحملاته العسكرية المتتالية حتى أحكم سيطرته على العالم . إذن فالعولمة لم تبدأ اليوم كما يظن الكثيرون منا .. إلا أن عمليات انتقال السلع والبضائع و رؤوس الأموال والعمالة بين الدول القارات والشعوب بدأت بعد الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي تأخذ منحاً جديداً ، ثم ازدادت وتكاثفت خلال سنوات الحرب البادرة منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي مروراً بالخمسينات والستينيات إلى مطالع العقد التاسع منه ، حيث كان النظام العالمي يقوم على محوري الشرق والغرب ، أو المعسكرين الليبرالي والاشتراكي ، أو الشيوعية والرأسمالية ، حيث جرى استقطاب حاد لكل دول العالم في معسكرين ، يقود أحدهما الاتحاد السوفيتي والثاني الولايات المتحدة الأمريكية .. وكل ما حدث بعد سقوط المعسكر الاشتراكي الشيوعي بانهيار الإمبراطورية السوفيتية هو أن انفردت أمريكا بالسيادة على العالم ، وأصبحت الليبرالية الغربية هي الأيدلوجية ذات النفوذ الأقوى والأوحد على العالم .
لا يوجد تعليقات