رئيس التحرير : مشعل العريفي
 كوثر الأربش
كوثر الأربش

تناقضات كلمة نصر الله في يوم الشهيد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ظهر أمين عام حزب الله السيد نصر الله يوم الجمعة الماضي 10 نوفمبر لإلقاء كلمته السنوية في ذكرى أربعين الإمام الحسين، ويوم الشهيد، ظهر خائراً، مهدوداً، كمِداً، منطفئاً على خلاف حماسته الثورية المعتادة، كثير التأتأة والتلمظ بلسانه (دلالة على جفاف الريق). بدأ كلمته - كعادة الخطاب الديني المسيّس - بإثارة العاطفة الدينية والإنسانية، وهي آلية لتجهيز عقول الأتباع لاستقبال أي شحن سياسي، وتلقي أي معلومات علمية أو تاريخية دونما نقاش، لأن العقل يصبح في حالة خدر بفعل تأجيج العاطفة. بحيث يصبح تفنيد معلومة رياضية بسيطة أمراً بالغ الصعوبة، أنوي في هذا المقال تحليل الورطات المنطقية والرياضية والسياسية في كلمته تلك. ورطة رياضية! قال نصر الله: تظاهرة الأربعين منقطعة النظير وليس قليلة النظير، لأن حشوداً مليونية يلبسون السواد ويبكون ويمشون لكربلاء (20 مليون زائر). ثم قال: لا تقولوا لا يمكن، لأن هذه الوفود تأتي ثم تذهب لتتيح المكان لمن بعدها، وبهذا هو سد الطريق على أي تساؤل عقلي، لعله نسي أن مساحة الحرم المكي مليون و146 ألف متر مربع، بأبواب يصل عددها 210 أبواب، ومع هذا يتسع لقرابة مليونين من الحجاج، فيما حرم الإمام الحسين يتكون من صحن تصل مساحته إلى 15000 م2 وتحيط به أروقة بمساحة 600 م 2 فقط، ويحوي 7 أبواب خارجية، و8 أبواب داخلية ومع هذا يتسع لعشرين مليون زائراً. فهل يمكن أن يتناوب على الحرم الحسيني 20 مليون زائر في نهار واحد؟ ورطة إدارية وحقوقية يقول: الحكومة العراقية معنية فقط بأمن الزوار، أما الخدمات الأخرى من طعام وسكن وغيرها، فيقوم بها العراقيون أنفسهم، «العراقيون الذين يخلون منازلهم للزوار، يطعمونهم مما جمعوه طوال العام ويقبلون أقدامهم وأيديهم، يعملون ذلك طلباً للثواب وحباً للحسين»، ثم يحول المسألة إلى معجزة، ويقول « ما يقوم به العراقيون من خدمة الزوار، بحاجة لمراجعة علمية وفكرية واجتماعية دراسة عميقة لفهم هذه الظاهرة». نعم، كرم العراقيين أعجوبة قديمة، العراقي كالفرات، منهمر حتى لو خذله المطر. العراقي العربي، الجار الذي يربطه بالسعوديين جسر من محبة، والكثير من التقدير، القرابة، والمصاهرة أحياناً. ولكن، رغم استحالة تحمل البنية التحتية والخدمية لكربلاء لعشرين مليون زائر في يوم واحد، دعنا نفكر بالعراقيين الذي يطعمون 20 مليون زائر! نعلم، وحسب إحصائية لوزارة التخطيط العراقية، أن نسبة الفقر 23% من عدد السكان بما يساوي أكثر من ستة ملايين شخص يعيشون تحت مستوى خط الفقر. لا بأس لنقل إن الله طرح البركة في طعام الفقراء من باب المعجزة مثلاً. لماذا يُحمّل العراقي الكادح هذه الأعباء المادية الضخمة فيما تكتفي الحكومة العراقية والأثرياء بجني الأرباح السياحية من زيارة الأربعين؟ هنا ستعرف أن الأمر لا يعدو كونه نهب جيوب الفقراء واستغلال عاطفة المسلم الشيعي نحو آل البيت. إننا لا نحتاج لدراسة، بل لوعي، لأن نشعر بهؤلاء الفقراء الذين يجمعون قوتهم طوال السنة ليقوموا بما ليس من مسؤولية الحكومة أن تقوم به! إطعام زوار كربلاء! محطة سياسية 1 يقول: «أعظم مؤامرة هي داعش الوهابية التي أسسها كل من أوباما وكلينتون والسعودية». حقيقة تُدهش من خلط الأوراق المتعمد هذا. أليس أوباما صديق إيران؟ أليس في عهده نكست كل أعلام الشيطان الأكبر وصاروا أخلاء؟ من يمكن أن ينكر التحالف المعلن بين حكومة أوباما والمالكي وإيران؟ ألم تسهل هي احتلال العراق من ملالي طهران؟ يالسوء الخاتمة! هنا أتوقف.. مع الكثير، الكثير من الأسف على من يصدق مثل تلك المغالطات السياسية الثابتة. محطة سياسية 2 - بارانويا العظمة والمظلومية يقول: (تطور لبنان كان سبباً في توجه السعودية الجديد في تهديد لبنان ومحاولة تخريبها). للتذكير: لبنان تصدر ميزانية لأول مرة بعد 12 عاماً، السعودية تعتبر من دول مجموعة العشرين التي تمثل ثلثي التجارة في العالم. - ثم يقول (تم استدعاء الحريري للسعودية وإجباره على الاستقالة وقراءة بيان كتبوه هم، تدخل سعودي علني في الشأن اللبناني، الرئيس ممنوع من العودة ومحتجز في السعودية. محاولة سعودية لشطب زعامة الحريري لتيار المستقبل وتغيير الزعامة. محاولة فرض رئيس حكومة لبناني جديد على الشعب اللبناني)، يذكر هذا بعد أن يقول كل هذه معلومات مؤكدة. ثم يقول: «السعودية لديها نفوذ في لبنان وإيران كذلك، لكن الفرق أن إيران لا تتدخل في الشأن الداخلي للبنان وأتحداكم أن تأتوا بحادثة واحدة مدعومة بدليل». حسناً، لماذا تسوق كل هذه التهم على السعودية وكل أدلتك: لدينا معلومات دقيقة! - (السعودية تحرض اللبنانيين بعضهم على بعض) ثم يقول (اللبنانيون الذين يطالبون باستشارات نيابية هم متآمرون وأدوات) يناقض نفسه فوراً! من الذي يحرض اللبنانيين على اللبنانيين الآن؟ - أخطر ما تقوم به السعودية هو تحريض إسرائيل على ضرب لبنان (طبعاً لديه معلومات مؤكدة أن السعودية تطلب من إسرائيل تضرب لبنان). ثم يقول: لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل مسؤولية حرب ضد لبنان لأن بإمكانها تسوية الأمر دون حروب! أين الخطر إذاً؟ - يقول «تم استدعاء الرئيس الحريري، ذهب وحده دون مستشاريه ومعاونيه»، ثم يقول «لدينا معلومات يقينية عن ما حدث بالسعودية مع الحريري من أول لحظة نزوله في المطار، ماذا لبس ماذا قرأ وإلى أين أخذوه»، كل هذه المعلومات الدقيقة عرفوها رغم أنه ذهب وحده وما زال محتجزاً! أنا متأكدة أن عصفورتهم منقطعة النظير أيضاً. أكتفي بهذا القدر من استخفاف أمين حزب الله بالعقول. لعلني أستكمل في المقال القادم.
نقلا عن "الجزيرة"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up