رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

الحسن البصري معلقاً على أحداث: «الربيع العربي»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

«عن سُليمان بن علي الربعيِّ قال: «لما كانت الفتنة – فتنة ابن الأشعث – إذ قاتل الحجاجَ بن يوسف، انطلق عقبةُ بن عبدالغافر، وأبو الجوزاء، وعبدُالله بن غالب في نظرائهم، فدخلوا على الحسن، فقالوا: يا أبا سعيد، ماتقول في قتال هذا الطاغية، الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة وفعل، وفعل؟ قال: وذكروا من فعل الحجاج، قال: فقال الحسن: أرى ألاَّ تُقاتلوه؛ فإنَّها إن تكُ عقوبةً من الله فما أنتم برادِّي عقوبةَ الله بأسيافكم، وإن يكن بلاءً، فاصبروا حتى يحكمَ الله وهو خيرُ الحاكمين. قال: فخرجوا من عنده وهم يقولون: نُطيع هذا العلج! قال: وهم قومٌ عرب. قال: وخرجوا مع ابن الأشعث، قال: فقُتِلوا جميعاً» وعن الحسن قال: «لو أنَّ النَّاس إذا ابتُلوا من قبل سلطانهم صبروا، ما لبثوا أن يُفرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيوكلون إليه، فوالله ما جاؤوا بيوم خيراً قط» وعن أيوب قال: «قيل لابن الأشعث: إنْ سرَّك أن يُقتلوا حولك كما قُتلوا حول جمل عائشة، فأخْرِجِ الحسنَ، فأرسلَ إليه، فأكرهَهُ» وعن ابن عون قال: «استبطأ الناسُ أيام ابن الأشعث؛ فقالوا له: أخْرِجْ هذا الشيخ – يعني الحسن – قال ابنُ عون: فنظرتُ إليه بين الجسرين، وعليه عمامةٌ سوداء. قال: فغفلوا عنه، فألقى نفسه في بعض تلك الأنهار، حتى نجا منهم، وكاد يومئذٍ أن يهلك». وعن سلم بن أبي الذيال قال: «سأل رجلٌ الحسنَ وهو يسمعُ وأناسٌ من أهل الشام، فقال: يا أبا سعيد، ما تقولُ في الفتن مثلَ يزيد بن المهلب، وابن الأشعث؟ فقال: لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. فقال رجلٌ من أهل الشام: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟ فغضبَ، ثم قال بيده فخطر بها، ثم قال: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد، نعم، ولا مع أمير المؤمنين» وعن ابن عون قال: «كان مسلم بن يسار أرفعَ عند أهل البصرة من الحسن، حتى خفَّ مع ابن الأشعث، فلم يزل في علوٍّ منها بعد، وسقط الآخر» ولا يُمكن أن تستقيم الرؤية عن موقف الحسن البصري – رحمه الله – دون قراءة رسالته التي وجهها إلى عمر بن عبدالعزيز لمّا أن ولي الخلافة إذ محضه النصح عبر كتابٍ لم يُفض خاتمه إلا بين يدي عمر – لعل عمر فيما بعد هو من أشاع خبر الكتاب/ الوصية ابتغاء أن ينتفع به كل خليفة من بعده- فجاء على هذا النحو: (اعلم يا أمير المؤمنين، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد وفاته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلاً، تسهر لسهره وتسكن لسكونه، وترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى، وخازن المساكين، يربي صغيرهم ويمون كبيرهم. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وعباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبددّ المال وشرّد العيال فأفقر أهله وأهلك ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلّة أشياعك عنده وأنصارك عليه، فتزود له وما بعده من الفزع الأكبر. واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت به، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، ويسلمونك في قعره فريداً وحيداً؛ فتزود له ما يصحبك يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور، وحصّل ما في الصدور؛ فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها؛ فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل؛ لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمنٍ غلاًّ ولا ذمةً، فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك. ولا يغرنّك الذين ينعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات من دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك. ولا تنظرنّ إلى قدرك اليوم، ولكن انظر إلى قدرك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله تعالى في مجمع الملائكة والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحيّ القيوم. إني يا أمير المؤمنين إن لم أبلغ في عظتي ما بلغه أولو النهي قبلي، فلم آلك شفقةً ونصحا؛ فأنزل كتابي هذا إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريمة لما يرجو له بذلك من العافية والصحة. والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته). نقلا عن الشرق

arrow up