رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

كوارث السيول لم تكن وليدة لحظة وقوعها

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صحيح أن الله لم يختصنا دون سائر الدول والمجتمعات بهذا النوع من الإدارات الكوارثية ، إذ أنه يشيع ويكثر في الدول النامية المتخلفة والفقيرة أكثر مما يشـيع في غيرها . ولما كنت لا أحب أن ننظر لأنفسنا كواحدة من هذه الدول ، إذ أننا والحمد لله نمتلك كل مقومات الدول العظمى أو الكبيرة ، فإننا يجب أن نتعامل مع أنفسنا وقضايانا من هذا المنظور . ومصطلح الإدارة الكوارثية ، تبلور في ذهني واكتسب ملامحه الواضحة في وعيي أثر كارثة سيول محافظة جدة بمنطقة مكة المكرمة الشهيرة والتي فقدت فيها شقيقتي الغالية " عفاف "، والتي أودت بحياة مايزيد عن الميئة شهيد ! رحمهم الله يومها اشتعلت صفحات صحفنا اليومية بالمقالات والمراثي الشعرية والنثرية ، واحتدم الجدل عنيفاً وتطايرت الاتهامـات هنا وهناك . الانفجار الذي دوى على صفحات الصحف وباقي وسائل الإعلام المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي كان في ظاهره يبدو أكبر من الحدث نفسه ، رغم فداحة الحدث وفاجعته ، ليس لأولياء وذوى الضحايا فحسـب ، إلا أن رد الفعل كان يبدو في ظاهره أكبر منه ، وهو بالفعل كان كذلك . لأنه كان رد فعل على كثير من أوجه القصور والإهمال المتراكمة على مر السنوات ، لذا تجاوز رد الفعل الحدث نفسه ، وتمدد ليحاكم كل أوجه القصور المرئية منها وغير المرئية . علماً بأن الحدث لم يكن وليد لحظة حدوثه ، والكارثة لم تكن وليدة لحظة وقوعها ولكنها نتاجاً لمجموعة من أشكال الإهمال والقصور التي ظلت تتراكم يوماً بعد آخر ، إلى أن أنتجت شكلها المأساوي الأخير.
إلا أن أحداً لم يكن يتابع الأمور أولاً بأول ، ليعالج ويصحح الأخطاء وأوجه القصور حتى لا تأخذ شكلها النهائي هذا ، أو حتى يشير إليها . يومها تبلور في ذهني المعنى المتكامل لمصطلح الإدارة الكارثية بعد أن ظل في خاطري سنوات طويلة ، وأنا أتأمل أمورنا العامة فأرى النار تحت مستصغر الشرر ، وأعجب كيف لا يستطيع المسئول رؤية الوضع المستقبلي أو النتيجة المستقبلية لهذا الوضع . إلا أنني أرد ذلك إلى غفلة المسئول ، وإلى انغماسه في تفاصيل الإدارة اليومية وغرقه في هذه التفاصيل ، مما يحجب الرؤى المتكاملة عنه لهذا الوضع ونتائجه المستقبلية إذا ظل على حاله هذا . إلى أن إتضح لي ـ بعد الكوارث الاخيرة أن هذه ليست حالة خاصة ، بقدر ما هي نمط متماثل في الإدارة ، وأعنى به تلك العقلية الإدارية صاحبة النظرة الجزئية ، والتي لا تلم ، أو تعجز عن الرؤية الكلية للعملية الإدارية ، ولا تتحرك إلا حين تقع الكارثة .
وسلوكها الإداري عند وقوع الكارثة هو ذات النمط السلوكي المألوف عند هذا النوع من الإدارات ، ويتمثل هذا السلوك في يقظة مفاجئة تشبه قفزة النائم مذعورا حين يباغته الصوت أو الحركة العنيفة أثناء نومه ، فيهب جزعاً . ويتميز رد الفعل في هذه الحالة بالعشوائية ، كما يتميز بالاستجابة الانفعالية ، أي الاستجابة التي لا تستند على الفكر الواعي . لذا فإن معالجات "الإدارة الكوارثية" للأزمات واستجابتها وحلولها إنما ينتج المزيد من الأخطاء ، لأنها حلول آنية ، انفعالية تفتقر إلى الوعي والدراسة والتفكير الهادىء ولعل هذا هو الذي يمثل الفارق الحاسم بين وحدات "إدارة الأزمات والكوارث" التي تعد مسبقاً ، وتدرس كافة أوجه واحتمالات الأزمات والكوارث ، وتعد المعالجات لمواجهة كل احتمال من الاحتمالات المتوقعة ، وبين "الإدارة الكوارثية" التي تظل غافلة ذاهلة عن أوضاع المؤسسة أو المرفق أو المنشأة ، غير متحسبة للطوارىء وغير منتبهة لواقع أوضاعها حتى يفاجئها الحدث ، وعندها فقط تتحرك في خطوات مضطربة ، لتصدر قرارات أكثر اضطرابا وتناقضاً.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up