رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد آل الشيخ
محمد آل الشيخ

أعدل قضية يدافع عنها أسوأ محامين

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

عَرفَت كل أمم الأرض منذ الأزل، الحروب والنزاعات الدموية بين البشر، لكنها لم تجنِ منها سوى الخراب والدمار واتساع رقعة المقابر، وفي المقابل سلكت كثير من الأمم سبل البعد عن الحروب والتخاصم، وقدمت التعايش بين مكوناتها الطائفية والعرقية بسلام، وهذا ما يجب أن يدركه الفلسطينيون. السلام في تقديري هو الخيار الوحيد الذي لا خيار غيره أمام الشعب الفلسطيني ليتعايش مع الإسرائيليين. أما أولئك الذين يصرون على المقاومة المسلحة، والتحدي، والموت في سبيل القضية، فهم -إذا أحسنا الظن بهم- شعاراتيون، لا يمكن أن يأخذوا بقية الشعب الفلسطيني إلى بر الأمان. إسرائيل -شئنا أم أبينا- هي واقع على الأرض، وتعترف بها، وتتعامل معها، دول العالم، ولن تستطيع حجارة يقذف بها طفل، أو حتى صاروخ بدائي الصنع، أن يُغير هذا الواقع إلا في خيال الشعراء، ولن يكون الفلسطينيون واقعيين إلا إذا اعترفوا بهذه الحقيقة، وتعاملوا معها حسب مقتضياتها، وأدركوا تمام الإدراك أن قضيتهم يستغلها كثيرون، ليس لمصلحة الفلسطينيين، وإنما لمرامٍ مختلفة لا علاقة لهم فيها، أما من يدفع الثمن فليس إلا الشعب الفلسطيني نفسه. أعلم أن الرضوخ للواقع صعب ومؤلم، لكنه في أحايين كثيرة، وبالذات بالنسبة للفلسطينيين، هو الحل الوحيد المتاح، ودعونا عن المزايدات الشعاراتية والخطابية الجوفاء التي لم تقتل ذبابة قط. فإيران -مثلا- تُزايد على القضية الفلسطينية، وكذلك كثير من الأنظمة العربية، لمصالح وغايات خاصة بهم، ما جعل القضية الفلسطينية بمثابة قميص عثمان وأصابع نائلة، وستبقى مأساة الفلسطينيين قائمة ما لم يتعاملوا مع قضيتهم حسب مقتضيات (ما هو كائن) لا ما يجب أن يكون. هزمت إسرائيل العرب عسكريا، لأن لديها الجيش الأقوى في المنطقة بلا منازع، إضافة إلى أنها تملك الرادع النووي، ولها علاقات وطيدة بأغلب دول العالم، وبالذات الدول المتفوقة حضاريا، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وفي المقابل الفلسطينيون مشتتون متفرقون، وخطابهم السياسي يتجاذبه القومجيون والمتأسلمون، وأغلب قادة هؤلاء وأولئك همهم النفوذ وامتلاك كل عوامل السيطرة والتحكم بالخطاب الفلسطيني، حتى وإن كان على حساب القضية نفسها. أما الشعب الفلسطيني، وبالذات من يعيشون في غزة والضفة، فمآسيهم على كل المستويات تتفاقم مع مرور كل يوم جديد. ولا يغيظني أحد مثل أولئك المتأسلمين الفلسطينيين، وعلى رأسهم حماس، وذراعها العسكري بالذات (كتائب عز الدين القسام)؛ هذه الحركة بذراعيها السياسي والعسكري، يديرها أناس انتهازيون يتاجرون بالقضية على عينك يا تاجر، فهم يماحكون إسرائيل، ويستفزونها، ليدفع الثمن شعب غزة المغلوب على أمره، ومن اعترض على استفزازاتهم من الغزاويين اغتالوه في ليلة كالحة السواد. ومثل هؤلاء التجار جعلوا من القضية بقرة حلوب لغايات ومصالح لا تأتي مصالح الفلسطينيين في رأس أولوياتها، بل هم أول من يتعامل مع إسرائيل إذا تعلق الأمر بمصالحهم، فحفيد إسماعيل هنية -مثلا- يتلقى علاجه في المستشفيات الإسرائلية، بينما من يواجه سياط الإسرائيليين هم المواطنون الفلسطينيون الغلابة. والحمساوي إذا حدثته عن (السلام)، والتعامل بواقعية وعقلانية مع واقعهم المرير، انبرى يجعجع بشعارات وعنتريات تحتاج إلى معجزات خارقة لنواميس الكون لتغير من واقع الشعب الفلسطيني الكارثية. بقي أن أقول في خاتمة هذه الزاوية، قولا أراه عين الصواب، فحواه: (قضية فلسطين أراها أعدل قضية يُدافع عنها محامون فاشلون). إلى اللقاء
نقلا عن "الجزيرة"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up