رئيس التحرير : مشعل العريفي

عودة طارق

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

العام 1977، الطالب القادم من سواحل البحر الأحمر، حيث العروس الفاتنة جدة تتمشط صباح مساء على أنغام الأمواج، يدرس الإدارة العامة في إحدى الجامعات الأمريكية، في الجزء الآخر من الأرض، كان البرازيلي الشهير ديدي يقود أهلي المدينة ذاتها لبلوغ نصف نهائي الكأس المحلية، قبل المعترك الحاسم بأيام اجتمعت معه إدارة النادي، وجاء السؤال المباشر: ماذا تريد لتحقيق كأس الملك؟ أجاب بالسرعة نفسها: أريد طارق.
.. طارق كيال، سليل العائلة الجداوية الشهيرة التي تولى غالبية أفرادها مناصب حكومية رفيعة، عاد للبلاد ضمن قوافل العائدين في إجازة نهاية العام، لم يكن يعلم عن الحوار أعلاه شيئا، ولم يكن يعلم أنها إجازة بلا عودة.
.. في اليوم التالي، قرع الهاتف جرسه، كان الرجل الأهلاوي الكبير على الطرف الآخر، قال له باختصار: "ديدي يريدك أن تلعب المباراتين الباقيتين في الكأس، أراك في النادي عصر اليوم".
طارق اللاعب، ماهر في وسط الميدان، لديه قدم حساسة على المرمى من كل الاتجاهات، وقبل هذا كله، ملتزم بأدق التفاصيل التكتيكية والانضباطية وسط الملعب، وربما كان هذ السبب الحقيقي لحب المدربين له وأولهم الداهية ديدي.
في تلك السنوات ومؤثراتها، كان من السهل على لاعب منقطع، أن يعود ويتمرن أسبوعين ثم يلعب نصف نهائي ونهائيا، وهذا ما حدث مع اللاعب الطويل القامة، صلب البنية، منصة إطلاق التسديدات المباغتة. لعب طارق كيال المباراتين وتوج الأهلي باللقب، ولم يعد لإكمال دراسته في أمريكا، كان القرار من الرجل الكبير: "سأعيدك لإكمال دراستك في جدة".
تدور السنون والأيام، وما أشبه الليلة بالبارحة، الأهلي يصارع على اللقب المفقود، منذ ودع طارق الملاعب، وكيال اللاعب تحول من لعب الكرة إلى إدارتها، والأخضر ذاته يعاني الانضباطية وسقوط النظام واهتزاز الثقة، والمطلوب من جديد، عودة طارق كيال للأخضر الباهت لعل وعسى أن يسقيه وتورق الأغصان خضرة تسر الناظرين.
.. السنوات الفاصلة بين مسيرتي طارق اللاعب وطارق المدير، سلحت الرجل بالخبرة الإدارية، دخل عضوا في مجلس إدارة عبد الرزاق أبو داود، مشرف كرة في إدارة أيمن فاضل، عضو اتحاد كرة، وقبل ذلك كله مدير عام الاتصالات في مدينة جدة، مراكز مهنية مشبعة بالاتصال بالآخرين، كونت شخصية الإداري المتمكن بدهاليز الاتصال والعلاقات العامة.
قلت للمدير القديم الجديد لإدارة الكرة في الأهلي، ماذا يحتاج فريقك للفوز بالدوري؟ فأجاب: "على الجميع أن يعي تماما أن الكيان ثابت والأدوات متحركة، من لا يستطيع السير في ركاب المجموعة، لا بد أن يغادر المشهد، كائنا من كان". سألته: ما فلسفتك الإدارية؟ فرد: "لا أحب القوالب الجامدة في الإدارة، الأهداف تحدد الخطوات، والانضباط أساس العمل".
ما بين طارق 1977، وطارق 2016، حُلم، وسنوات، وشُعيرات تحولت من السواد للبياض، وأخضر يبست أغصانه ينتظر سُقيا فرح، وعقل ما زال يعمل، يطارد الحلم العصي كحصان يصعب ترويضه، طارق الأول نجح، وطارق الثاني ليس أمامه إلا أن ينجح، فالهلال من أمامه والاتحاد خلفه، ولا مفر منهما إلا بهما. نقلا عن الاقتصادية

arrow up