رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

"عبدالرحمن السدحان" رجل جدير بالاحترام

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بعض الناس يثيرون إعجابك واحترامك لعصاميتهم وما يتمتعون به من قوة إرادة، ولعل الصديق عبد الرحمن بن محمد السدحان، الذي انطلقت تجربته الحياتية من سقي الزرع في مشيع ورعي الغنم في تلالها مرورا بالترحال بين مدن المملكة، ثم الانتقال إلى أمريكا التي ظل فيها سبع سنوات نال خلالها شهادات البكالوريوس والماجستير في الإدارة، وقليلون هم من خبروا هذا التنقل بين مختلف التجارب والانتقالات، وهاهو الآن يعمل أمينا عاما لمجلس الوزراء، ورغم هذا فقلما تجد رجلا في مثل صدقه وصراحته وشفافيته.
هنا تحديدا تكمن عبقرية السدحان، ذلك أن تجارب الإنسان حين تكون مليئة بكل هذا الزخم من التحولات والانتقالات والانقلابات، فإنها، وما لم يسيطر صاحبها على منعطفاتها وما تحتويه من احتمالات متنوعة في نتائجها، ربما تقوده إلى واحد من اثنين: الغرور والمبالغة في تقدير الذات، أو التنكر والانسلاخ من محيطه وبيئته، وكثيرة هي الأمثلة على هذين النوعين من الناس ممن تصادفهم في حياتك اليومية، إذ تجد رجلا نال من العلم شيئا قليلا في بلاد الفرنجة، ولا يكاد يلم من لغتهم حظا مذكورا، فتراه يكاد ينسب نفسه إليهم، وكل نصيبه من هذا النسب بضع كلمات أجنبية التقطها من أفواه العامة في شوارع الغرب، فلا العلم علمهم ذاك الذي يعتد به، ولا اللغة هي لغتهم الرصينة المتقنة، وهذا ما يسمى بفقدان الهوية، فتجده بهذا النسب المتوهم الزائف يترفع على أبناء عشيرته، وينظر إليهم من عل.
شيء من ذلك تحدث عنه العالم الفذ والمؤرخ العربي ابن خلدون حين قال بأن المهزوم يحاول أن يقلد المنتصر في كل شيء، حتى في قيمه وتقاليده لأنه يرى بأن قيمه هذه هي قيم الهزيمة والضعف بينما تلك هي قيم القوة والانتصار، وقد شهدت، ولا أشك بأنك شهدت أيضا هذا النمط من الناس الذين لا يكتفي الواحد منهم بالتنكر لأصله، بل يحاول جاهدا اختلاق أصول له ملفقة، واصطناع تاريخ مزيف له.. وقد حاولت من قبل الإشارة إلى قيمة هذا الجانب التربوي العميق في سيرة السدحان الذاتية «قطرات من سحائب الذكرى» الصادرة في عام 2006 م، والتي جسدت على نحو فريد هذه الأصالة وهذا التجرد في سرد وقائع تجربته الحياتية، حتى أن البعض آخذه على صراحته وشفافيته، كما ذكر في الحوار الضافي الممتع الذي أجرته معه «عكاظ» في عددها الصادر قبل نحو أسبوعين، ولا تعجب من هذا اللوم والعتب من مجتمع كاد يدمن الغموض وعدم الصراحة والنفاق والادعاء.
لأن تلك المذكرات أو السيرة الذاتية كانت نموذجا وتجسيدا لمعنى الاعتداد بالنفس والشجاعة والشفافية من ناحية، كما كانت من الناحية الأخرى درسا أخلاقيا بليغا في الأصالة والتمسك بالقيم المجتمعية والاحتفاء بتفاصيل بيئته ومفردات حياة الناس اليومية في مجتمعه الصغير وتقديره وإجلاله لتضحيات أهله البسطاء، وهذا ما يفتقده كثيرون من مثقفينا الذين يريدون أن يقفزوا فوق واقع مجتمعاتهم.

arrow up