رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. محمد العوين
د. محمد العوين

عجيب!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أني أعجب من شيء ما، أو أنني سألقي بشيء قليل أو كثير أو من السخط على أمر أثار حفيظتي وأزعجني، لا هذا ولا ذاك؛ بل هو إظهار لما غلبني من العجب أو الإعجاب بروح «عجيب» وهذا اسمه.
لقد كان حقا اسما على مسمى!
لا أريد أن أذهب إلى ما يوحي بالنقد وإظهار التذمر مما يعرض لنا في حياتنا اليومية؛ فقد مللت ومل الناس مثلي -كما أزعم لنفسي- من تكرار التبرم وعدم الرضا وطلب الكمال في كل ما نعرض له من أعمال أو نتوق إليه من آمال، لقد أكثرنا نحن معشر الكاتبين والمتحدثين من إظهار عدم الرضا عما نراه أو نسمعه أو نعمله، وكأن ليس في حياتنا ما يبهج ويسعد، أو كأن ليس فيما نلقاه من سلوك الناس من حولنا ما يدفعنا إلى الرضا والاستئناس بهم، لقد غلب الشعور بالكلل والملل والبرم وعدم الرضا وجوه كثيرين ممن نلقاهم ويلقوننا، وكأن هذا الزمان ليس هو ذلك الزمان القريب المبهج، أو كأن هؤلاء البشر ليسوا أولئك السعداء!
فما جرى يا ترى؟!
إن هذه الحياة سائرة في طريقها الذي كتبه الله لها، ولن يوقف مسيرها سخط أو يسرع بها رضا، ويستوي في تقلباتها قبولنا أو رفضنا، استسلامنا أو عنادنا، لن يتغير مسير الحياة كما قدر الله لها، ولن يدفع الضيق ما يطرأ من نكد، فما أجمل وأزكى روحًا تستقبل ما يسر الله لها وما أفاء به عليها من نعم كثرت أو قلت وتسعد بها وتسعد بها من حولها، وما أكرم تلك الروح الطيبة الودودة التي تفيض بشاشة وحبا للناس، تقدم الخير على الشر، وتعلي الظن الحسن على السيئ، وتفتح أبواب الأمل على اليأس، وتغلق أبواب القنوط والقعود والإحباط.
كان «عجيب» هذا عجيبا على اسمه؛ فهو صورة حية صادقة ناطقة للإنسان النقي التقي العفي البريء من تشوه أخلاق وفساد طبائع وتلوث نفوس بعض من يتصل بهم أو يتصلون به.
كان هذا «العجيب» نموذجا متفردًا في سلوكه؛ فهو خفيف الروح، طيب المزاج، دائم البسمة، عذب الكلمة، حاضر النكتة، قريب ليس بالبعيد عن روحك إن حدثته أو ما زحته أو عانته وخاصمته.
لم يكن ذا شأن كبير في حسابات المال والغنى؛ لكنه كان ذا شأن كبير في حسابات بنوك القلوب الطيبة والأرواح النقية، ربما كانت خزانته خاوية إلا من مرتب ضئيل يساقط في كفه نهاية كل شهر من عمله في تنظيف الدائرة التي يعمل بها؛ إلا أن خزائنه غنية ثرية عامرة بما يعجز المال عن صنعه وإبداعه.
رحمة الله عليه؛ فما أحوجنا في هذا الزمن الذي تكالبت علينا فيه الوجوه العابسة ليرشنا ببشاشة وابتسامات ونقاء وعذوبة روحه «العجيبة». نقلا عن الجزيرة

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up