رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

من يرغب بسماعها اليوم

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في مسرحية غربة يحاول أهل الضيعة معرفة آخر أخبار البلد فيقول غوار الطوشي لصاحب المقهى: "يازلمة افتح إذاعة لندن تعرف شو صاير عندنا في الضيعة"!!
وهي جملة تهكمية تحمل مفارقات سياسية وإعلامية كثيرة.. فحتى وقت قريب نسبياً (حين غزا صدام حسين الكويت) كنا نشترى أجهزة الراديو الروسية لنعرف من "إذاعة لندن" ماذا حدث في الكويت.. وتلك من مفارقات تلك الفترة.. وحتى حين فُتح سيل الأخبار وأصبح كل شيء واضحاً فضل الناس متابعة الإذاعات والمحطات العالمية لأسباب تتعلق بعاملي التجرد والحيادية اللذين يفتقدهما إعلامنا العربي..
والمفارقة الأخيرة بالذات استمرت حتى بعد ظهور القنوات الفضائية التي أصبحنا نتابعها ونثق فيها أكثر من قنواتنا العربية (بدليل عزوف المواطن العربي عن قنوات بلده وتتبعه للقنوات الأجنبية)...
أما الكارثة الحقيقية فهي أن المواطن نفسه أصابه الملل والزهق (في السنوات الأخيرة) من كل المحطات والأخبار، فأصبح لا يتابع حتى الأجنبية منها.. قد يعود ذلك إلى تعدد الخيارات، وكثرة التكرار، وتبدل الاهتمامات، أو تولد شعور عام باليأس والإحباط.. وقد يكون السبب إصابتنا بالملل والسقم من فرط المشاهد المتشابهه والأخبار المستهلكة والقضايا العربية المعلقة منذ عقود..
ملاحظاتي الشخصية تقول إن معظم الناس أصبحوا هذه الأيام أقل انجذاباً لقضايانا الكبرى ولم يعودوا يتابعون ما يحدث في فلسطين وسورية واليمن والعراق وليبيا.. لم يعد أطفالنا يسمعون ب"العدو الصهيوني" أو يعرفون أين تقع أفغانستان والصومال (في حين ملّ كتابنا كل هذه المواضيع لدرجة لم تعد تقرأ مقالات تتعلق بفلسطين المحتلة)!!
لم يكن هذا هو حالنا أيام والدي ووالدك.. كان هناك شبق حقيقي لمعرفة أخبار العالم وكانت فلسطين شغلنا الشاغل.. في تلك الأيام _ وحتى قبل ظهور التلفزيون السعودي _ كانت الصحف الورقية تصلنا من مصر والشام وكان الناس يستعيرونها من بيت لبيت كونها الوسيلة الوحيدة لمعرفة أخبار العالم (خصوصاً فيما يتعلق بالعدو الصهيوني).. وبطبيعة الحال سرعان ما أصبحنا نملك صحفنا الخاصة التي تصل من جدة والرياض بعد يوم أو يومين (وهو ما اعتبر في حينه رقماً قياسياً جديداً).. وبعد فترة نمو متواصلة بدأت الصحف السعودية تتراجع أمام الصحف الإلكترونية والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام الجديد!!
... المفارقة التي نلمسها اليوم لا تتعلق بالمصادر الإخبارية بل بالمشاهد والمتلقي الذي بدأ يبتعد ليس فقط عن صحافتنا وتلفزيوننا المحلي بل وعن سماع النشرات الاخبارية أياً كان مصدرها.. فاليوم لم يعد معظمنا يشاهد نشرات الأخبار المحلية أو يكمل نشرات الأخبار الأجنبية.. لم تعد القومية العربية أو الصحوة الإسلامية أو فلسطين الأبية (ولا حتى ما كنا نسميه العدو الصهيوني) تشغل بالنا أو تحثنا على فتح التلفزيون، ناهيك عن الخروج للبحث عن الصحف الورقية..
... من المدهش فعلاً أن يترافق كل هذا الانفتاح الإعلامي والثراء الإخباري والحرفية المهنية مع وصولنا نحن المتلقين لهذه الدرجة من الملل والعزوف عن معرفة آخر المستجدات (ويهون الملل أمام يأسنا من حل مشاكلنا المعلقة منذ عقود)!!
... أتساءل؛ لو أن مسرحية غربة (التي كتبت في السبعينات) كتبت هذه الأيام فكيف ستعيد أنت صياغة الجملة التي بدأنا بها المقال!؟
نقلا عن الرياض

arrow up