رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

ضايع ومضيع مفاتيحي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أمر الخليفة الأندلسي الحكم بن هشام بتقديم ابن بشير ليتولى القضاء في مدينة قرطبة. فاستدعاه دون إعلامه بما دعي إليه، ومر الرجل في طريقه إلى قرطبة بأحد الشيوخ الذين يركن إليهم في الرأي والمشورة، وقال له: إني ماض إلى قصر الخليفة لأمر لا أدريه، وأخشى أن يعرض عليً قضاء قرطبة، فماذا تشير عليً؟ أأستجيب أم أعتذر؟!، فقال له الشيخ: إني سائلك عن أربعة أشياء، وأعزم عليك أن تصدقني فيها، ثم أشير عليك بعد ذلك بما أرى، فقال له الرجل: سلني ما تريد وسأصدقك الجواب. فسأله الشيخ: كيف حبك للمأكل الطيب، والملبس اللين، والمركب الفاره؟! فأجاب الرجل: والله لا أبالي ما أرد به جوعي، ولا ما أسر به نفسي، ولا ما أحمل عليه رحلي!! فسأله الشيخ: فكيف حبك للتمتع بالوجوه الحسان، وما شاكل ذلك من الشهوات؟! فأجاب الرجل: هذه حال والله ما استشرفت قط إليها، ولا اكترثت لفقدها، ولا خطرت لي ببال. فسأله الشيخ: كيف حبك لمدح الناس لك، وثنائهم عليك؟ فأجاب الرجل: والله ما أبالي في الحق من مدحني ومن ذمني. فسأله الش+يخ: كيف حبك للولاية، وكراهيتك للعزل؟ فأجاب الرجل: والله ما أسر للولاية، ولا أستوحش للعزل. فقال الشيخ: والآن أشير عليك بأن تقبل القضاء، وأنك لموفق فيه إن شاء الله. وذهب ابن بشير إلى قرطبة، وتولى القضاء فيها، ولم يكن أحرص منه على التزام الحق في أحرج المواقف – انتهى. هل تريدون الصراحة أم بنت عمّها؟!، إذا كنتم تريدون الصراحة، فسوف أقول لكم: ما أبعد الفرق بيني وبين ذلك القاضي الزاهد، لأنني عكسه تماماً (completely)، فإنني أحب المأكل والملبس والمركب، وأكثر منها جميعاً أحب الوجوه الحسان حبّاً جمّاً، كما أنني أهيم بل وينلوح رأسي إذا سمعت المديح والإطراء من (جربوع) من جرابيع البشر، وأكره من يذمني أكثر من كراهيتي لدم أسناني. أما عن التهافت على الولاية فحدث ولا حرج – على شرط أن تأتيني على (طبق من ذهب)، أما عدا ذلك فلن أقبلها. ويبدو – والله أعلم – أن عشمي بها هو كعشم إبليس بدخول الجنّة.... و(تفّ عليك حامضه). وهذا ما يؤكد أن بيني وبين مهنة القضاء ألف فرسخ وفرسخ، وتستطيعون في هذه الحالة أن تقولوا عني دون أن تُؤنبكم ضمائركم: إنني ضايع، ومضيع مفاتيحي.
نقلا عن "الشرق الأوسط"

arrow up