رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

غواية التأليف وشهوة النشر..!!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ثمة دار نشر قد أقامت قواعد: «شرفها» على قوائم الربح هي من أجرأت كلّ أحد على أن ينتهك حرمة: «التأليف» طالما أنّ المؤلف: «البائس» هو من يتحمّل التكلفة المادية لنشر: «غثائه» الأحوى وغير الأحوى.. هي حالةٌ تضرب أطنابها في جذور كلّ معرض للكتاب من شأنها أن تفضح: «دورَ نشرٍ» تخلّت عن مهمتها الأصلية لتُمارس هزّ الوسط المرهون بتنقيط (أدعياء التأليف) وفي هذا تأكيد على أنّ التأليف وصناعة الكتب بات حمىً مستباحاً يرتع فيه من شاء كيف شاء! غير أنّ الذي يُطمئننا ما نعرفه عن أن الزّبد – ومهما طُبّل له – سيذهب جُفاء وقليلٌ مما يُنشر اليوم يُمكن له أن يُمكث في الأرض فينتفع الناسُ به!! ينضاف لذلك: «وسائل التواصل الاجتماعي» وما هي عليه من: «ثورة» عارمةٍ إذ تتمتّع هي الأخرى بحالاتٍ من: «إغراءٍ» باذخٍ لا يفتأ أن يُحرّض كلّ من كان شبقاً حدّ النزوة بأنّ يجترح شهوته: «نشراً» ليطوي ما تبقّى له في وجهه من مزعة حَياء ابتغاءَ أن يُبثت لأقارنه أنّه ليس بأقل: «فحولة» من الآخرين والأخريات..! ولا هو بأضعف انتصاباً على منصّات: «توقيع الكتب» من كلّ أولئك الذين يجترحون كلّ تلك المؤبيقات: «التأليفيّة».. إنها وضعيّةٌ من التّمرد على شروط: «المعرفة» تدفع بكلّ الأدعياء نحو التأليف رغبةً في الانتماء لـ: «قبيلة» المثقفين وتشوفاً في الانتساب لـ: «عشيرة» المؤلفين إذ إنه ما من أحدٍ يولد في مثل مجتمعاتنا هذه إلا وله نصيبٌ وافرٌ من: «شهوة النشر» قلّ أو كثر.! وبهذا أستطيع القول: إن جملةً كبيرةً مما يتواصى الناسُ بقراءته من مؤلفاتٍ – وكتب في معرض الرياض – مادتها الخامة كانت مجموعة تغريداتٍ أو تدوينات مغرقة في التسطح وبيّنة الهشاشة على نحوٍ مخزٍ من خربشاتٍ استحالت بقدرة: «ناشرٍ» تجاريٍّ صرفٍ كتباً/ وروايات مطبوعةٍ على نفقة: «المؤلف»!! المهم أن يكون الدفع مسبقاً وبسخاء سعوديّ مشهود..! على أيّ حال فمؤلفو: «الغفلة» هم في الغالب قراء بدائيون دفع بهم: «تويتر» و: «الفيسبوك» نحو الكتابة استسهالاً بركاكةٍ وافتقار لأقل شروط الكتابة صرامة عند من يُقدرّون التأليف حقّ قدره… هكذا هو شأن الذين يتمتعون بـ: «الجهل المركب» حيث يمتلكون من الشجاعة في خوض غمار التأليف في مواضيع – ومعارف – يجبن إزاءها الكبار عِلما ونضجاً.!! وليس بخافٍ أنّ ظاهرة الهوس بالتأليف وسُعارها ليست مشكلةً حادثة بل هي قديمة قِدَم التأليف بيد أن الذي استجد وغير المسبوق هو: «الهوس الجماعي» زرافاتٍ ووحداناً تأليفاً وكتابةً تتقحّم وعورته أفواجٌ لا مرحباً بهم في سوق الكتاب من أهله وخاصته وذلك بفعل: (التسهيل الإلكتروني) فثورته العارمة قد عصفت بنا على كلّ اتجاه فابتغت لنا: «الفتنة» من كلّ جانب وقلّبت لنا الأمور رأساً على عقب حتى ما بتنا نفرّق ما بين مقدمةٍ من مؤخرة وآية ذلك أنّ الريادة معقودة نواصيها بأيد الحمقى الذين يتصدّرون مشاهدنا العلمية والثقافية!! لا جرم أنّ كتابات كثيرة وروايات أكثر ستمرُّ عابرة دون أن تحدث في الناس أثراً محموداً أو أن تُعمّر طويلاً.. وإلا فأيّ تأليفٍ – أيّاً كان موضوعه – ما لم يُحدث أسئلة مفصليّة تُربك ما كان يُظن بادي الرأي أنه من قبيل «المُسلّمات» وما لم يخلق – هذا المؤلَّف – فورة من الإدهاش الذي من شأنه أن يَبين عن عظمِ: «جهلنا» ويفضح كسلنا المعرفي ثم لا يلبث أن يُعري هزالنا الفكري وإذ ذاك لا تسأل عن كيف سيقرأ الآخرون: «عقلنا السعودي»!!.. وأؤكد ثانية: وما لم يخرج بنا – هذا المؤلَّف – عن النسق الذي حسبناه: «قدراً» لا محيد عن الانعتاق منه.. أيّ كتابٍ مؤلفٍ ما لم يكن له شيءٌ من تلك الآثار فاعلم حينئذ أنه لا يعدو بسبب من عدم نضجه و: «انيمياه» الحادة لا يعدو أن يكون سواداً على بياض قد أرهق حبره الورق الذي كتب عليه في حين أن صاحبه المؤلف سيحظى بهالة من التندر هذا في حال أن فطن الناس لـ: «مؤلفه» باستثناء أهله وربعه.. فالأقربون دائماً هم من يحتفون عادةً بالرديء ركاماً في ركامٍ فزعةً لا ينتج عنها إلا (لعلعة التكاثر) التي ألهت الناس عن القراءة الجادة فشغلتهم زوراً بالتأليف ولا أحسب هذا العبث الذي يُسمى: «تأليفاً كتباً روايات» إلا منكراً واجب التغيير باليد وباللسان وبالقلم! ومن جانبٍ آخر. تبدو لنا ظاهرة الفزعات: «التويترية» ذات اللغة التسويقية الفجّة لمؤلفات: (ربعنا) ورواياتهم إذ تنشط إبان إقامة: «المعارض» على نحوٍ متهافتٍ وذلك أنّ كلَّ صاحِبٍ لـ: «مؤلفٍ» أو خدنٍ له تؤطرهم: «أفكارٌ» واحدة أو تلتف حول أعناقهم حبال: «حزبية» خانقة سيعلنون أنّ كتاب صاحبهم سيكون هو العلامة الفارقة لمعرض هذا العام وأنه الكتاب – أو الرواية – الذي/ التي سيحدث دويّاً سيبلغ مداه بلاد الواق واق في حين أنّ: «رواية» صديقهم (واحد من العيال) ستجدهم – دون حياء – وهم في حمأة سياق الترويج لها سيقولون لك: بادر قبل فوات الآون فإنك إن لم تقتنها – وهي في طريقها للمعرض – فلربما أن تنتظر حولاً كاملاً في سبيل الظفر بها بحسبانها: «الرواية» التي سيتوقّف عندها النقّاد كثيراً كثيراً بوصفها الرواية السعودية الأولى التي توافرت على كل الشروط الروائية وليس ببعيدٍ أنه سيؤرّخ لمجتمعاتنا من بعدها و.. و.. (كله من هذا الرخيص الذي يكشف عن شيءٍ من مستقبلنا المحفوف بالخيبة إن ظلّ هؤلاء على غيهم التأليفي وانصرافهم عن معرفة حقيقة أحجامهم، الذي لن يتحقق لهم ما لم ينصرفوا عن التأليف بالاتجاه الجاد نحو القراءة الجادة، عسى أن تثمر لهم عقول وقدرات غير التي كانوا عليها سابقاً)! من أجل هذا كلّه فإن في هذا العام – كما في كلّ عام – سيكون من أكثر الكتب مبيعاً وأسرعها نفاداً هي الكتب الرديئة والروايات الخداج لغةً وتكنيكاً بينما الكتب التي هي الأكثر نفعاً والأجدر بأن تحظى بمكانة كبيرة من حيث الاحتفاء بها اهتماماً واقتناءً هي التي عادةً لا يُحفل بها ذلك أنه ليس من أحدٍ يمتّ لأصحابها بصلة فيشتغل تالياً بالترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الجملة.. فإنّ المشهد الكتابي تأليفاً يواجه اليوم ما يشبه المأزق المعرفي وأخشى أنه لا يُمكن لنا أن نتفادى هذا المأزق ونتجاوز ما عليه منتجنا من هزال في ظلّ تنامي: «المجاملات» التي يتولّى كبرها أساطين شلليّة: «امسك لي وأقطع لك»!! ولئن كان العمل التصنيفي تأليفاً أو إبداعاً ينخرط اليوم في هذا المأزق وتلك الإخفاقات نتيجة النظرة الخاطئة تجاه صناعة الكتاب فكيف يصح لنا أن نطالب بأعمالٍ مميزة وتآليف فخمة تمنح الكتاب السعودي قيمته المهدرة؟! الجاحظ يأبى أن يفوّت هذه التظاهرة دون أن يذكّرنا بقوله: «لا يزال المرء في فسحة من عقله ما لم يقل شعراً أو يُصنف كِتاباً» وأزيد: «أويؤلف روايةً»!! فيما الراغبي الأصبهاني يأتي على إثره ليؤكد فينا ما اشتهر من القول بأنّ: «عرض بنات الصّلب على الخُطّاب أسهل من عرض بنات الصدر على ذوي الألباب». بقي أن أسألكم: هل أنه تبقّى سعودي واحد أو سعودية واحدة لم يؤلف/تؤلف كتابا أو يكتب/ تكتب رواية..؟! نقلا عن الشرق

arrow up