رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

مهلا سمو الأمير

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كنتُ مراجعاً في إحدى الجهات العدلية مرتدياً البنطال والقميص الرسمي لكوني قادماً من العمل. قال لي الموظف وهو يهم بتوقيع الوكالة التي جئت لأجلها، لماذا لا تلبس الثوب والغترة؟ فأخبرته بأنني قادم من العمل. قال ولم لا تذهب للمنزل وتغير ملابسك! فقلت له هذا يضيع وقتي ووقت الشركة التي تلزمني بالعودة للعمل بعد إنهاء مراجعتي مرتديا هذا اللباس. فقال وما هي الشركة؟ فقلت: أرامكو السعودية. قال: ومن هي أرامكو؟ تعجبت لسؤاله وكان مكتبه مليئا بالمراجعين الذين التفتُّ إليهم وعلامة الاستغراب ذاتها تعلو وجوههم. فقلت: أرامكو التي بفضلها -بعد الله ثم بفضل المؤسس الذي منحها امتياز التنقيب- استطعنا شراء الشماغ الإنجليزي الفاخر والثوب الياباني والمشلح الذي خلفك واقتناء السيارة الألمانية الواقفة في مواقف العمل، والسيارة الأميركية العائلية الواقفة في كراج البيت! وقّع ورقتي ودفعها إليّ ثم قال: من هو الذي بعده؟! عملت في شركة أرامكو ثلاثة عقود وكان البنطلون إلزاميا خاصة الذين يعملون في المعامل أو وسط الأعمال الفنية، حتى وإن كانت خارج المعمل. كنتُ أتشوق لارتداء الثوب والغترة في العمل وأستغرب مثل غيري لماذا تمنع الشركة علينا هذا لاسيما ونحن على أرض المملكة العربية السعودية؟ مع الوقت تعلمت السبب، وكان وجيهاً إلى درجة كبيرة. مصدر وجاهة هذا التوجه، أن الملابس الفضفاضة مثل الثوب والشماغ مخالفة لأنظمة السلامة وتعرض من يلبسها لمخاطر جسيمة على المستوى الشخصي والعملي. الملابس الفضفاضة حين تقترب من بعض المعدات - وهي في وضعية التشغيل- تكون معرضة بدرجة كبيرة إلى أن تسحبها تلك المعدات وتلتهمها بالكلية أو أجزاء منها. في هذه الحالة قد تتعرض الماكينة للعطل وربما تعرّض المعمل للتوقف الأمر الذي يترتب عليه خسائر اقتصادية تقل وتكثر بحسب المعدة والمنشأة. الأمر الأسوأ أن تلك الماكينة قد تجذب أيضا مرتدي الفضفاض مما يعرضه للإصابات الخطرة أو السقوط من أعلى أو القذف به على الأرض أو على مادة صلبة أو حادة، وقد تصل بعض الحالات للإعاقة الجسدية أو الوفاة. وهناك جزئية أخرى مهمة تلامس جانب السلامة أدت إلى تشريع لبس البنطال في حقول الأعمال الفنية، أن لابسها يستطيع الهرب بأسرع وقت ممكن في حال الخطورة بخلاف الملابس الفضفاضة التي قد تعرقل حركة صاحبها نسبيا فيتعرض لمخاطر النيران أو الغازات السامة وغيرها. أضف إلى ذلك الفوائد العملية من لبس البنطال في مجال العمل وخصوصا الأعمال الفنية؛ أن البنطال يُشعر لابسه بالحيوية وسهولة الحركة بخلاف الثوب والغترة اللتين تشعران بالاسترخاء، وهذا الأمر من واقع تجربة وممارسة عملية على مدى عملي الطويل والمتواصل في الشركة. لستُ معارضاً لارتداء الزي الرسمي ولستُ، أيضاً، مؤيداً أو مفتوناً بالتقليع الغربي غير أنني أتحدث عن جوانب السلامة والأداء العملي. سمو الأمير خالد الفيصل رجل محب للأصالة العربية، مسكون بالهم العربي وغيور - من الطراز الأول- على وطنه، ومن ذلك الزي الرسمي الوطني، لهذا وجّه سموه بإلزام العاملين السعوديين في القطاع الخاص بالزي السعودي للحفاظ على الموروث الوطني. إنني أرجو أن يقتصر هذا القرار على المحلات التجارية دون الأعمال الفنية مراعاة لجانب السلامة وجانب الأداء المهني. طوال سنيّ عملي الممتدة لثلاثين سنة في العمل الميداني لم تنسني تلك الفترة، الثوب والغترة، وأفرح بقدوم العطلة الأسبوعية والإجازات الرسمية والخاصة لخلع البنطال والقميص وارتداء الثوب والغترة والعقال. ورغم ما في الزي المحلي من تكلفة، نسبية، من حيث الجانب الاقتصادي وجانب الوقت في تجهيزها إلا أنها تظل هي الأفضل لدينا. فإذا نظرنا إلى اللباس المحلي، الكامل، نجده يشتمل على 7 قطع، منها 3 قطع داخلية و4 قطع خارجية (ثوب، طاقية، غترة وعقال) وفيها ما فيها من تكلفة مادية وزمنية إذا أضفنا إليها الكي الخاص بنا وطريقة (التشخيص). في الجانب الآخر، نجد اللباس الآخر لا يجاوز 3‪-‬4 قطع فقط (سروال، بنطال وقميص). المقارنة السابقة لا تعني التخلي عن الزي الوطني والذي هو مفخرة ومصدر اعتزاز. شخصيا، لا أتخلى عنه خارج العمل وكذلك أثناء سفري للدول الخليجية. لازمت لباسي الوطني الأصيل عندما كنت مقيماً في الإمارات العربية المتحدة، وكان هذا محل تقدير ملحوظ من المواطن الإماراتي ومن عموم المقيمين هناك، وما أكثرهم، ومنهم من كان يسألني عن الفروقات في الملابس الخليجية وطريقة لبسها. أطرف سؤال مر عليّ في شأن الزي المحلي؛ أحد الوفود الصينية في أحد المنتديات، سألني عن الفرق بين لبس الغترة البيضاء والحمراء، فأخبرته أن المسألة اختيارية وتعتمد على المزاج الخاص. فكان يضحك هو ورفاقه، فسألتهم عن سر ضحكهم؛ فقالوا: توقعنا أن البيضاء للعزاب والحمراء للمتزوجين أو العكس..!
نقلا عن الوطن

arrow up