رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

تضاؤل العلاقة بين النفط والعقار

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

شهدت عودة أسعار النفط للارتفاع مجددا منذ مطلع أيلول (سبتمبر) 2017 حتى تاريخه بأعلى من 33 في المائة، عودة الحديث عن العلاقة التاريخية الطردية بين أسعار النفط وأسعار العقار محليا، نظرت إليه شريحة تجار العقار إيجابا، وأنه سيعيد العقار إلى مساره الصاعد مجددا، بعد أن فقد كثيرا جدا خلال الفترة التي انخفضت خلالها أسعار النفط بنحو 63 في المائة، خلال الفترة من منتصف 2014 حتى نهاية آب (أغسطس) 2017. وشريحة أخرى أوسع نطاقا على مستوى المجتمع؛ نظرت إلى تلك التطورات الإيجابية لأسعار النفط، بنوع من الحذر والقلق أن تعود أسعار الأراضي والعقارات ـــ وهي التي لا تزال متضخمة رغم انخفاضها بنحو ثلث قيمتها ـــ إلى الارتفاع مجددا، والتسبب في مزيد من تعقيد جهودهم الرامية إلى تملك مساكنهم بأقل التكاليف. لهذا كان مهما جدا أن تتم قراءة تلك المتغيرات مجددا، والنظر في تفاصيلها بموضوعية، والتأكيد على أن تلك العلاقة اليوم وغدا، لم ولن تكون كما كانت عليه طوال عقود زمنية مضت، سيتم استعراضها بالتفصيل فيما سيأتي من هذا المقال. سابقا؛ لعب التغير في أسعار النفط دورا محوريا ومؤثرا في السوق العقارية المحلية، نشأت معه علاقة طردية بين المتغيرين، كان النفط هو العامل المؤثر إيجابا أو سلبا بدرجة كبيرة في تحديد مستويات أسعار الأصول العقارية. إلا أن الأهم في هذه العلاقة، الذي مثل قناة التأثير الفعلية بين المتغيرين (النفط، العقار محليا)، تمثل في الإنفاق الحكومي المعتمد بدرجة كبيرة على عائدات النفط، وتحديدا جانب الإنفاق الرأسمالي (الإنفاق على المشاريع)، الذي متى تحسنت خلاله أسعار النفط، انعكس ذلك بالارتفاع على حجم الإنفاق الرأسمالي، والعكس صحيح. أدى ارتفاع أسعار النفط (العربي الخفيف) خلال الفترة 2001 حتى منتصف 2014 بأعلى من 379 في المائة، إلى ارتفاع عائدات الدخل الحكومي النفطي بمعدلات قياسية خلال الفترة نفسها (بلغ إجماليها 8.8 تريليون ريال)، الذي منح بدوره الميزانية العامة مرونة عالية جدا، مكنتها من رفع مستويات الإنفاق الرأسمالي خلال الفترة نفسها بمعدلات قياسية وتاريخية غير مسبوقة، وصل إجماليه بإضافة الإنفاق الرأسمالي خلال 2015 إلى تلك الفترة الذهبية لأسعار النفط إلى نحو 2.4 تريليون ريال، أدى بدوره إلى ارتفاع مستويات السيولة المحلية بنسب قياسية، ناهزت معدلات نموها السنوية في بعض أعوام تلك الفترة مستوى 24 في المائة، تدفقت في البداية بشكل غير مسبوق إلى سوق الأسهم المحلية (2002 ـــ 2006)، ثم انتقلت بعد انهيار سوق الأسهم الشهير (فبراير 2006) بأحجام أكبر إلى سوق العقار، ما أدى إلى دخول أسعار مختلف الأصول العقارية في موجة سعرية صاعدة وقياسية خلال الفترة (2006 ـــ 2014)، لم تهدأ إلا من بعد منتصف 2014 الذي شهد إضافة التراجع الحاد في أسعار النفط، عديدا من المتغيرات والعوامل الاقتصادية والمالية، أسهمت مجتمعة في خفض حدة ارتفاعات أسعار العقار، وهو ما زال قائما حتى تاريخه. لا يقف الأمر عند هذا التصور أو الإطار البسيط جدا، حيث وجدت عوامل أخرى أسهمت في تشكل هذه العلاقة على هذا القدر من القوة والتأثير، كان من أهمها: ضيق فرص الاستثمار المحلية آنذاك، تسنم قمتها سوقا الأسهم والعقار، فيما وقفت بيئة الأعمال المحلية (القطاع الخاص) في الصف ما قبل الأخير ـــ إذا صح التعبير، إضافة إلى تأخر تطور السوق المحلية لأدوات الدين (صكوك، سندات)، التي كان وجودها سيسهم في امتصاص السيولة الفائضة في الاقتصاد المحلي، ويجنبه جزءا كبيرا من الصدمات العديدة للتضخم في مختلف النشاطات المحلية، وهنا جاءت الأراضي كأفضل (مخزن) للثروة محليا طوال الفترة، وهو ما فتح بابا واسعا جدا لامتداد واتساع أشكال احتكار الأراضي، إضافة إلى ارتفاع كعب المضاربات المحمومة على ما أتيح منها للتداول، ونتج عنه تصاعد أسعار الأراضي والعقارات وتكلفة إيجاراتها بصورة غير مسبوقة، كان أخطر نتائجها تفاقم أزمة الإسكان المحلية. وأخيرا بين تلك العوامل؛ ضعف الرقابة على تنفيذ المشاريع الحكومية العملاقة، التي شهدت إقرارها طوال فترة ارتفاع الإنفاق الرأسمالي، التي أصبحت تخضع منذ أكثر من عامين لرقابة أفضل وأقوى، بفضل برنامج التوازن المالي. أسهمت تلك المعطيات على صورتها السابقة خلال الفترة (2006 ـــ 2014) في إيقاد جذوة العلاقة بين أسعار النفط والعقار، والسؤال الجوهري اليوم؛ هل ما زالت تلك المعطيات على وضعها السابق؟! الإجابة بكل تأكيد (لا)؛ إذ اختلفت الأوضاع 180 درجة، فلم تعد الأراضي كالسابق المخزن الأمثل والمعدوم التكلفة لإيداع الثروات فيها، وانتظار تناميها عاما بعد عام بعيدا عن أي مخاطر أو تكاليف محتملة، فهي تجد اليوم جدارا صلبا من الأنظمة والإجراءات، تبدأ من محاربة احتكارها بمساحات شاسعة، مرورا بفرض رسوم على عدم تطويرها والانتفاع منها، انتهاء بحلول بدائل أفضل ممثلة في سوق الصكوك والسندات المحلية، كما أصبح الإنفاق الحكومي (الجاري، الرأسمالي) خاضعا لسياسات وبرامج رقابية عالية الأداء، لا تستهدف مجرد الترشيد، بقدر ما أنها تستهدف بدرجة أعلى رفع كفاءة الإنفاق الحكومي على كل مستوياته واتجاهاته، وهو ما يتعارض 100 في المائة مع أية رغبات كانت، تستهدف الانتفاع غير المشروع من تلك التدفقات الحكومية في الاقتصاد، ويقطع الطريق بنسبة كبيرة جدا على تسلل تلك الأموال إلى ما قد يلحق الضرر بالاقتصاد والمجتمع، بأي شكل من الأشكال. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد إلى البرامج والسياسات العملاقة التي تم تدشينها تحت مظلة "رؤية المملكة 2030"، التي تحفز بدرجة كبيرة على استغلال الفرص الاستثمارية والإنتاجية محليا، والضرورة القصوى بتوظيف الأموال والثروات في قنواتها، بما يعزز من النمو والاستقرار الاقتصادي، ويوسع من قاعدة الإنتاج المحلية، وبما يسهم في إيجاد مئات الآلاف من الفرص الوظيفية للباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات، وهي الأهداف النهائية التي يتعارض تحققها تماما مع ما كان معتادا عليه سابقا؛ من تخزين للثروات والأموال وتدويرها في مضاربات محمومة في أي سوق محلية، لا سوق العقار فحسب، ما يعني أن الباب الوحيد الذي أصبح نافذا إلى السوق العقارية، هو باب التطوير والانتفاع والبناء والتشييد، وهو الباب الذي ستتوافق أهدافه النهائية متى تحققت، مع الأهداف الكبرى لـ "رؤية 2030" ولمختلف برامجها التنفيذية، عدا ذلك لن تجد إلا أبوابا مغلقة بإحكام شديد. خلاصة الحديث؛ إن ارتفاع أسعار النفط وفق الظروف الراهنة للاقتصاد الوطني، التي تتشكل من سياسات وبرامج إصلاح عملاقة، ستسهم بدرجة كبيرة في إضعاف إن لم تعدم العلاقة السابقة بين النفط والعقار محليا، ذلك أن المصفوفة العملاقة لأنشطة الاقتصاد الوطني تغيرت، وستستمر في التغيير المنشود لها حتى نهاية 2030، ما يدعو للقول بثقة كبيرة إلى من أفرط في تفاؤله أو في قلقه، أن يلغي أفكاره السابقة، التي أصبحت ضمن أوهام زائلة، وتحل محلها أفكار ورؤى أكثر ثقة وتفاؤلا، الجميع فيها رابح ـــ بإذن الله تعالى ــــ والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up