رئيس التحرير : مشعل العريفي
 حمود أبو طالب
حمود أبو طالب

لهذا هاجمنا أوباما

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هو تبسيط وتسطيح شديد عندما يقال إن الرئيس أوباما بتصريحاته التي هاجم فيها المملكة قد وقع تحت تأثير الدعاية الإيرانية المسمومة التي روجت لها طهران في الغرب، كما ذكر بعض المحللين لوسائل الإعلام ومنها هذه الصحيفة يوم أمس. كما أنه غير مفهوم شعور الصدمة أو الدهشة والاستغراب الذي خالط تعليقات المتحدثين وكأن شيئا كان في حكم المستحيل أو المستبعد تماما لكنه حدث بصورة مفاجئة. صحيح أن إيران أنشط من العرب كثيرا في اختراق الغرب إعلاميا وأمريكا على وجه الخصوص عبر خطة متعددة الجوانب طويلة النفس وخطاب مدروس تنفذه وتدعمه كوادر إيرانية مؤهلة وذات معرفة وخبرة جيدة بأساليب التأثير في البيئة الغربية بحكم وجودها فيها أو دراستها بعمق، ولكن مهما كانت كفاءة واحترافية ونجاح هذا النشاط فإن تأثيره لن يصل إلى حد تشكيل رأي وخطاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك فإن هذا لا يعني أنه ليس واجبا علينا تغيير استراتيجيتنا الإعلامية الخارجية المتسمة بالبطؤ والإنشائية أو الانفعال والتسرع. تصريحات أوباما الأخيرة السافرة في هجومها الاتهامي للمملكة ليست سوى فقرة من لوازم تنفيذ مخطط طويل بدأ منذ وقت بعيد، كانت أوضح تجلياته في 2003 عندما تم تسليم العراق من الباطن لإيران كتدشين للصدام الطائفي الذي انطلق منه إلى خارج حدوده بهدف خلط الأوراق عندما يتأجج الصدام ليصبح المستفيد منه والداعم له بريئا ومتضررا، والمتضرر منه المقاوم له مذنبا، ولكي يطغى السجال بين الطرفين في هذا الشأن على الترتيبات الأخطر لقلب وجه المنطقة جيوسياسيا بحسب الخطة الأمريكية التي خرجت من السرية إلى العلن وتحدث عنها وأكدها كثير من المسؤولين البارزين في الإدارة الأمريكية. ورغم كل الابتسامات البروتوكولية التي تظهرها أمريكا تجاه المملكة إلا أنها تحمل تجاهها شعورا غير ودي تدرج إلى حد الوصول إلى الحنق منها بعد اندلاع ما يسمى بالربيع العربي الذي لم يكن سوى تدشين لما أسمته أمريكا مشروع الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد. المملكة وقفت وتدخلت بقوة لمنع سقوط مصر الدولة العربية الأكبر في براثن عملاء أمريكا الذين أعدتهم جيدا وتيقنت أنهم سينفذون المهمة بنجاح لن يجهضه أحد، لكن حدث ما لم يكن في حسبانها وأسقط في يدها فكان لا بد أن تغضب من المملكة وقد رأينا الفتور الشديد للعلاقة جراء ذلك وتظاهر أمريكا بالحرص على إنعاشها بزيارة أوباما للمملكة وغيره من المسؤولين، لكن الحقيقة غير ذلك. خلال زيارة الملك سلمان لأمريكا في سبتمبر الماضي كتب توماس فريدمان المقرب من مطبخ السياسة الأمريكية مقالا عشية الزيارة يفتقر إلى أدنى متطلبات التهذيب واللياقة ضمنه ذات الآراء التي قالها مؤخرا أوباما عن المملكة. وقبل ذلك أجرى فريدمان حوارا مع أوباما اجترح فيه مصطلح «عقيدة أوباما» التي من ضمنها الإشادة بإيران واتهام المملكة بمنظومة الاتهامات التي ذكرها الآن بالإضافة إلى نبرة تهديد مبطنة. وعندما اتخذت المملكة خلال العام الماضي قراراتها الشجاعة بمعزل عن الحليف الأكبر وبما تمليه عليها مصالحها العليا وتكفله لها سيادتها كقرار عاصفة الحزم إضافة إلى مواقفها الحازمة من الصراع في البؤر المشتعلة حولها والتي أصبح الإرهاب الممنهج طاغيا فيها زاد امتعاض البيت الأبيض، وإذا أضفنا إلى ذلك تبني المملكة مؤخرا إنشاء تحالف إسلامي لصد الاعتداءات والمخاطر ومواجهة الإرهاب والتطرف فإننا نجد تفسيرا واضحا لتصعيد الهجوم على المملكة مؤخرا لأنها تجاوزت ما لا تريد أمريكا لها أن تتجاوزه، لكن الطريف في الأمر أن أوباما يتهم المملكة بتبني الممارسات الضارة التي تكافحها بأشد الوسائل بينما العالم كله يعرف أن هذه الممارسات أمريكية، صناعة ورعاية وحماية وترويجا وانتشارا. أوباما سيغادر بعد شهور قليلة، لكن الموقف الأمريكي غير متوقع أن يتغير كثيرا مهما كان توجه الرئيس القادم، وربما يكون أسوأ. لكن قواعد اللعبة يجب أن تكون قد تغيرت لدينا، وأمريكا مهما كانت قوتها لن تكون في النهاية الحاكم المتصرف الأوحد في هذا العالم، ولن تكون قادرة على مصادرة إرادة كل شعوب الأرض مهما أسكرتها نشوة القوة. وإذا كانت تحتضن الآن إيران راعية الإرهاب والفوضى في منطقتنا بالوكالة عنها فإن حساب الحقل أحيانا يختلف عن حساب البيدر. وذات مرة قال هنري كسنجر: على أعداء أمريكا أن يخشوا أمريكا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر. نقلا عن عكاظ

arrow up