رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

احذروا من «منجنيق الضعفاء»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

إذا جمحت بي نفسي - وكثيراً ما هي تجمح وتتمرد ولا يعجبها العجب - لهذا ألجأ بين الحين والآخر إلى ترويضها بالقراءة في بطون الكتب التراثية، خوفاً من أن أفقد (بوصلتي) وأجنح في لجج الأمواج العاتية في هذه الدنيا الجميلة القبيحة. واكتشفت أن اللغة العربية لغة عبقرية كثيرة الاستعارات والكنايات، خصوصاً في ابتكارات التشابه. ولو أني سألت أحداً عن «خلاخيل الرجال» مثلاً، فقد يهزأ بي، هذا إن لم يلقمني حجراً، ولو أنه علم أنها «القيود» لنام وفي بطنه بطيخة صيفيّة، وهذا هو علي ابن الجهم يقول عندما كان في حبسه: إذا سلمت نفس الحبيب تشابهت حروف الليالي سهلها وشديدها فلا تجزعي أما رأيت قيوده فإن خلاخيل الرجال قيودها أو ما هو «سهم الإسلام»؟!، لأجبت: كان السلف يقولون في وصاياهم إذا مررت بقوم فابدأهم بسهم الإسلام وهو: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وهل تعلمون أن «الحمّى» هي «داء الأسد»، لأنها كثيراً ما تغزو الأسد حتى أنّه قلّما يخلو منها ساعة، وقال أبو تمام: فإن يك قد نالتك أطراف وعكة فلا عجب أن يوعك الأسد الوردُ وأنا في هذه الأيام مصاب بذلك الداء، وأكتب هذه الكلمات، ودرجة حرارتي 39 وشرطتان. ويقال إن «كنز الجنة» أربعة هي: كتمان المعصية، وكتمان المرض، وكتمان الفاقة، وكتمان الصدقة، وأنا أكتم ثلاثة مما ذكرتهم. و«عناق الطير» أحرارها، وهي تصيد ولا تصاد، ويقول الجاحظ، هي: العقبان، فإنها تبيت حيث لا ينالها سبع ولا ذو أربع، وهي طويلة العمر عاقة بولدها وإن شاءت كانت فوق كل شيء، وهي تتغدّى بالعراق، وتتعشّى باليمن. و«لعاب الشمس» عند العرب، هو ما يتراءى كالخيوط في الجو من شدة الحر، وقال الراجز: وذاب للشمس لعاب فنزل وقام ميزان النهار فاعتدل وقد يشبه به الشيء الباطل الذي لا أصل له ويقال له أيضاً مخاط الشيطان، وكما يقال: لعاب الشمس يقال كذلك: «بصاق القمر» للحجر الأبيض الذي هو حجر المها. أما «أصابع الأيتام»، فقد حذر منها السلف، عندما يرفعونها بالدعاء على الظالم، وشبهوه بـ«منجنيق الضعفاء»، ويقول أبو فراس: ابذل الحق للخصوم إذا ما عجزت عنه قدرة الحكام رب أمر عففت عنه اختياراً حذارِ من أصابع الأيتام والغريب العجيب، أنني ما إن انتهيت من كتابتي هذه حتى وضعت (الترمومتر) في فمي، وإذا بحرارتي يا سبحان الله قد نزلت إلى ما دون 37 درجة بثلاث شرطات، عندها وقفت لا شعورياً، وأخذت أحجل على قدم واحدة و«أطق إصبع».
نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up