رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. فهد العتيبي
د. فهد العتيبي

بين التاريخ والرواية

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في ليلة من ليالي "ثقافة وفنون الرياض" المفعمة بالإبداع، تناولت د. منال العيسى صورة الرياض في العديد من الروايات السعودية "تمثلات الرياض في الرواية السعودية"، وقد عالجت الدكتورة العديد من الروايات السعودية التي صورت مشاهد من الحياة في الرياض في فترات زمنية ماضية، وقد لفت نظري أن الدكتورة قد نظرت إلى هذه الروايات بصفتها "كتابات تاريخية رصينة" وليست كتابات أدبية إبداعية، وهي ممارسة درج عليها الكثير من المختصين في الأدب.
 
ومن هنا كانت مداخلتي حول الفرق بين طبيعة الكتابة التاريخية وبقية الكتابات الإبداعية الأخرى. فمع أن جميع هذه الكتابات تحيل إلى الذاكرة في تعاطيها مع موضوعاتها إلا أن الكتابة التاريخية تختلف عن غيرها من الكتابات التي تتخذ من الماضي موضوعاً لها في كونها تركز على أحداث حدثت بالفعل في الماضي وهو ما يمكن أن نسميه الحقيقة التاريخية، وبمعنى آخر ليس للخيال مكاناً في الكتابة التاريخية، فالتاريخ يتعلق بالحقيقة الموضوعية مما يعني أنه يحيل إلى الزمن المرتبط بالفعل الإنساني.
 
يرى الفيلسوف الفرنسي بول ريكور في كتابه المهم "الزمن والسرد" الذي صدر في ثلاثة مجلدات في الفترة 1983-1985م أن التاريخ يتشابه مع الأدب في قيام كل منهما بتسجيل الماضي وروايته، وقد استخدم في كتابه هذا مصطلح "الحبكة" للحديث عن الرواية التاريخية، ولكنه يرى أن الفرق أن المؤرخ لا يتدخل في تفاصيل الحدث الماضي وإعادة تشكيله.
 
إن الكتابة التاريخية ومن خلال عملية السرد التاريخي تقوم على الحقيقة التاريخية التي يبحث عنها المؤرخ ويقدمها كما هي قدر الإمكان، بخلاف الأعمال الأدبية التي تتخذ عملية السرد كقالب زمني لبناء الماضي المتخيل، وهذا فرق كبير وبحاجة إلى تبيان حتى لا ينظر إلى الكتابة التاريخية باعتبارها شكلاً من أشكال الكتابة الإبداعية المتخيلة، وهذا بالطبع لا يعني أن السرد الأدبي لا يحتوي على بعض الحقائق التاريخية بل يعني أن البحث عن هذه الحقيقة التاريخية ليست الهدف الأكبر لهذه الكتابات بخلاف الكتابة التاريخية التي لا يمكن أن تتم في ظل عدم وجود الحقيقة التاريخية، ومن هنا فإن الأديب له الحرية في تشكيل الماضي والحذف والإضافة إليه للوصول إلى هدفه المنشود من منتجه الأدبي، أما المؤرخ فلا يجوز له مثل هذه التصرفات حيال الماضي، وهذا قد نراه واضحاً في موقف القارئ من الكتابة التاريخية والكتابة الأدبية، فبينما نجد القارئ لا يقبل من المؤرخ إلا الكتابة عن أحداث ماضية حقيقية، فإنه بالمقابل يتوقع بل ويتقبل من الأديب أن يكتب عن أحداث ماضية متخيلة.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up