رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

تعديلات نظام الخدمة المدنية .. حلول طال انتظارها

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

حملت التعديلات الأخيرة على بعض مواد نظام الخدمة المدنية، تحولات بالغة الأهمية على مستوى تقييم إنتاجية وأداء الموظف المدني في القطاع الحكومي "الخاضع لنظام الخدمة المدنية"، منها ما يكافئ الموظف المتميز، ومنها ما يشبه العقاب للموظف المتأخر والمتدني أداؤه الوظيفي. جاءت التعديلات الواردة على المادة "24" من النظام خاصة بالموظف المنتج، بإتاحة الإمكانية للوزير المختص بمنح الموظف المتميز مكافأة نقدية، وللجهة الحكومية مكافأة الموظف المتميز بمنحه شهادة تميز، أو تكريمه، أو ترشيحه للمنافسة على جوائز التميز المعتمدة، التي تتحدد جميعها وفق الشروط والضوابط الواردة في اللائحة. وبالنسبة للموظف المتدني الإنتاجية، جاءت الإضافات الخاصة به في المادة "30" فقرة "م" من النظام، التي تقضي بإيقاف خدمته حال حصوله على تقويم أداء وظيفي بدرجة "غير مرض" ثلاث مرات متتالية، وفقا لما تحدده اللائحة. وبين الحالتين السابقتين، استكملت بقية التعديلات كما وردت في المادة "36" ربط العلاوة الدورية والترقيات بمستوى الأداء الوظيفي للموظف، وفقا للائحة قياس أداء الموظف التي ستصدرها وزارة الخدمة المدنية، التي تضمنت أسس قياس أداء الموظف ومعاييره ومستوياته، ومستويات الأداء التي يستحق بناء عليها العلاوة الدورية، ومستويات الأداء المطلوبة للترقية، إضافة إلى إجراءات التظلم من نتائج تقويم الأداء السنوي. لن يغتاظ من تلك التعديلات المهمة إلا الموظف غير المنتج، أو الفاقد إلى الطموح، في الوقت ذاته تعد تحولات طالما انتظرها الموظف المنتج الطموح، الذي قد يكون تعرض لكثير من الظلم الوظيفي سابقا، في ظل غياب أسس ومحددات تنصف إنتاجيته وأداءه المتميز مقارنة بغيره. سابقا، حرم انشغال الموظف الأكثر إنتاجية وكفاءة أن يراه مديره كل ساعة، ذلك أنه مهتم بالدرجة الأولى بإنهاء ما لديه من مهام وأعمال ومسؤوليات، وقد ينعكس ذلك الضغط العملي على وجهه ونفسيته وطريقة حديثه حتى مع مديريه الأعلى منه، فلا تجد للغة التملق والنفاق مكانا في قاموسه. ويزداد الأمر صعوبة على كاهل الموظفين الكفء، إذا ما ابتلوا في بيئة أعمالهم بمديرين يبحثون عن المطيع فقط، وزملاء غير منتجين، لا هم لديهم سوى التملق لدى هذا المدير وفعل كل ما يريده دون قيد أو شرط! وسط بيئة عمل ضمت هذين الصنفين من البشر، مدير مستبد برأيه وقراره، سواء عن جهل منه أو علم، لا فرق بين الحالتين. وموظف انبطح في طاعة عمياء خالية من الأمانة والمسؤولية، وحتى الكرامة، لهذا الصنف من المديرين، ما كان لأي بيئة عمل تخضع لهذا النمط من العلاقات بأي بادرة للنجاح أو التقدم والإنجاز. وكيف لها أن تنصف موظفا كفئا ومنتجا في عمله؟ كل هذا سينعكس سلبا على أداء الإدارة أو الجهاز دون أدنى شك، وسيترتب عليه ظلم فادح للكفاءات البشرية المنتجة فيها، فإما أن تستسلم لأمر الواقع المرير، ويترسب في داخلها اليأس والإحباط، وهو ما قد يتطور مع تقدم عمر الموظفين الأكفاء إلى إصابتهم بأمراض نفسية، وأمراض الضغط والسكر، وغيرها من الأمراض المزمنة. وإما أن يبدأ الموظف الكفء بالدخول مع مديريه وزملائه في صدامات وصراعات طاحنة، ستنعكس سلبا على الأداء الوظيفي والإنتاجية، وغالبا ما تنتهي مثل هذه الصراعات باستقالة هذا الموظف الكفء، أو انتقاله إلى إدارة أخرى، وقد تلحق به اتهامات تطارده ما دام حيا. إن مجرد الحديث علنا عن مخاطر مثل هذه السلوكيات وانتشارها في بيئات أعمالنا، كفيل وحده أن يبعث الخوف والقلق في نفوس تلك الأصناف من البشر، وهل لدى أي منهم ذرة شجاعة للدفاع عن تورطه في ارتكاب مثل تلك السلوكيات؟ ولو كان أي منهم يمتلك جزءا بسيطا منها، لما رأيت هذا المدير يجزع كل الجزع من مجرد مخالفته الرأي من أحد موظفيه، ولما رأيت هذا الموظف المتخاذل المتملق ينحني دون كرامة أمام تسلط إنسان مثله، لا فرق بينهما إلا أنه أعلى منه مرتبة أو منصبا، وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه أبدا، وكذلك الخطأ لا يمكنه أن يدوم أكثر مما دام، والتغيير والإصلاح والتطوير إذا لم يأت ممن هو أهل له من ذوي الكفاءات والخبرات والمعرفة والدراية، وقبل كل هذا ممن يتحلى خلقهم بالأمانة والإخلاص، فمن أين يا ترى سيأتي التغيير والإصلاح؟ جاءت هذه التعديلات لتنتشل بيئة العمل الحكومي من هكذا بيئات عمل مثبطة للهمم، أكثر من كونها دافعة لمزيد من المنافسة والإنتاجية وتحسين مستويات الأداء الوظيفي، ولا يكون الحديث هنا عن مجرد البقاء للأفضل، بل يتجاوزه إلى مكافأة الأفضل بمزيد من الاستحقاقات المادية والمعنوية، ومعاقبة المتدني إنتاجيا بالإبعاد وإنهاء خدمته، فيما يشبه تنقية تامة لبيئة العمل من المترهل أداؤهم الوظيفي، الذين لم يقف التأثير السلبي لوجودهم عند مجرد تأخير تنفيذ الأعمال والمهام، بل تخطاه إلى إحباط بقية زملائهم الطامحين لتحسين أدائهم لأعمالهم، وتحسين مستوياتهم الوظيفية ومصدر دخلهم الوحيد. إنها باختصار شديد، الترجمة الفعلية من قبل الجهات القيادية في القطاع الحكومي، للتعامل كما يجب مع التحديات الكامنة في بيئة العمل الحكومي باختلاف أنواعها ومستوياتها، وترجمة حقيقية للتفاعل الدائم والمستمر مع متطلبات تطوير آليات الأعمال، والتحسين المستمر والدؤوب لأدوات الرقابة والمراجعة، والتقصي اللازم بالطرق الملائمة لطبيعة أداء الأعمال والمهام لدى ما دونها من جهات وإدارات، وفتح قناة اتصال مباشرة مع جميع منسوبيها من العاملين والعاملات، بما يكفل لهم الحماية والسرية تجاه كل ما يتم تداوله عبر قنوات التواصل تلك، ووضع الضوابط اللازمة والآليات المنظمة، التي تكفل في الوقت ذاته عدم تحولها إلى قنوات كيدية، ما يحولها كثيرا عن الهدف الرئيس من إيجادها. أصبح واجبا محتوما انقشاع غيوم البلادة والتعتيم عن بيئة العمل الحكومي، وأن تعتمد منطق التغيير المستمر نحو الأداء الأفضل، وسرعة الإنجاز، والنزاهة والعدالة والمساواة دون أي تمييز من أي نوع كان، والعمل على مكافأة المحسن متى ما أحسن، ومعاقبة المقصر والمسيء متى أخطأ. قد تكون هذه مثالية مفرطة في ظن بعضهم، وليكن ذلك. إلا أنها الشروط اللازمة والحد الأدنى لنجاح وتقدم أي بيئة عمل. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up