رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

تخلص من شبكة العنكبوت

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كل إنسان حولك عبارة عن "خليط" نفسي وجسدي وثقافي لا يتكرر بين فردين.. فأنا وأنت وأي شخص تعرفه (محصلة) لتمازج عناصر وظروف ومؤثرات لا يمكن أن تتشابة حتى بين التوائم.. نتحول بمرور العمر وتبدل الخبرات إلى (حقيبة أرقام سرية) لا نعرف حتى نحن كيفية فتحها ورؤية محتوياتها من الداخل..
.. والمشكلة ليست في تنوع شخصيات البشر؛ بل في اعتقاد كل إنسان أنه فريد عصره ووحيد زمانه وصاحب القرار الصائب والسليم.. في اعتقاد كل إنسان أنه المرجع والمقياس فيما يختلف عليه الناس ويتجادل حوله البشر. في قناعته العميقة بأن ما توصل إليه (بعد ما يظنه تفكيراً واعياً وعميقاً) هو الصحيح والسليم وما لم يسبقه إليه معظم الناس..
ولكن الحقيقة هي أن هناك فرقاً بين "الحقيقة" وما يعتقد كل إنسان أنه "الحقيقة".. فنظرتنا للعالم هي "نتيجة نهائية" لمؤثرات عميقة ومعقدة لا نعيها غالباً.. مؤثرات خارجة عن إرادتنا انتهت بنا إلى تبني هذا الرأي أو ذاك الاعتقاد فنتخذه كمقياس نهائي ونموذجي يفترض بالجميع الالتزام به.. نادراً ما يخطر ببالنا أن قراراتنا ونظرتنا للعالم تشكلت وتشوهت مسبقاً من خلال تأثير الظروف المحيطة بنا (وليس العكس).. نادراً ما ننجح في مغادرة أنفسنا فنرى العالم من الخارج بشكل مجرد ودون ميل أو تحيز..
لهذا السبب أعتقد أن أول متطلبات الخروج بالرأي النزيه والفكر المحايد هو الاعتراف بتعرضنا المسبق لكافة أنواع المؤثرات.. الاعتراف بأن أفكارنا وآراءنا وقدرتنا على التصديق والحكم هي (محصلة نهائية) لظروف اجتماعية وثقافية وتاريخية ونفسية ومزاجية تقيدنا كشبكة العنكبوت..
حين نعترف بهذا تبرز لدينا مجموعة من الأسئلة الشائكة والصعبة مثل:
- كيف نتأكد إذاً بأننا لم نخدع أنفسنا ونتبنى آراء متحيزة أو مخالفة للمنطق؟
- كيف نتخلص من العوامل الاجتماعية والثقافية المؤثرة على قراراتنا ونعمل على تحييدها؟
- كيف نتفق مع الآخرين على إلغائها ونتوصل سويا للرأي المجرد والأقرب للصواب؟
.. إجاباتي الخاصة ليست هي المهمة الآن.. المهم فعلاً هو محاولتك أنت الإجابة عليها بنفسك ولنفسك.. حين أجيب عليها (أنا) ستعتقد أنها إجابات مطلقة أو مفروضة عليك، ولكن حين تجيب عليها (أنت) ستنطلق من مؤثراتك الشخصية وأرقامك السرية.. الخاصة بك وحدك..
ولأن شخصي المتواضع يدرك الفرق بين "التلقين" و "الاستنباط" لا يحاول فرض آرائه على القراء أو لعب دور الأستاذ والواعظ عليهم..
ما أفعله من خلال مقالات هذه الزاوية هو تقديم المشكلة ومعطياتها كي يستنتج القارئ الحقيقة بنفسه ويراها بمنظاره هو (لا) بمنظار غيره.. ولا أفعل هذا من باب التواضع أو تجنب الزوايا الحادة؛ بل من خلال ثقتي بأن القارئ (حين يستنتج الحقيقة بنفسه) سيقتنع بها ويتبناها ويدافع عنها، أكثر مما لو تلقاها من أعظم واعظ عاش يوماً على كوكب الأرض..
وقبل التخلص من شبكة العنكبوت، تنبه للعناكب التي تصنعها حولك.
نقلا عن الرياض

arrow up