رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

هل أصبح طريق السعودة وعرا؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا مفر من الاعتراف في المرحلة الراهنة، أن وزارة العمل وفريق المؤسسات التابع لها يواجه الآن نتائج وإفرازات برامج التوطين التي تبنتها منذ مطلع 2011، وأن مجمل القرارات والإجراءات التي اتخذتها خلال أقل من عام مضى، تنصب بالكامل على معالجة تلك الآثار الوخيمة التي كما يبدو أنها فاجأت وزارة العمل لوحدها، فيما لم تكن مفاجأة لعديد من المختصين والمهتمين بسوق العمل المحلية، كما لم تكن على الإطلاق مفاجأة لاستراتيجية التوظيف السعودية، التي تنبأت بتلك النتائج وحذرت منها في حال عدم الالتزام التام بالبرامج والسياسات التي حددتها الاستراتيجية مسبقا، وإنك حينما تقارن بين ما تكابده وزارة العمل والمؤسسات التابعة لها في الوقت الراهن من تحديات جسيمة من جانب، ومن جانب آخر ما أشارت إليه استراتيجية التوظيف السعودية من آثار محتملة لعدم تنفيذها، فستجد تطابقا لافتا جدا بين الجانبين؛ تمثلت خلاصة تلك النتائج المتوقعة مسبقا فيما يلي: (أولا) استمرار البطالة في الارتفاع. (ثانيا) استمرار أعداد العمالة الوافدة في الزيادة. (ثالثا) استمرار هامشية العمالة الوطنية في القطاع الخاص (التوظيف الوهمي). (رابعا) استمرار الانفصام بين التعليم والتدريب من جهة وسوق العمل من جهة أخرى. (صفحة 172 - 173 من استراتيجية التوظيف السعودية).
تكمن المشكلة الأخرى تحت ضغوط كل ما تقدم ذكره؛ أن المواجهة الأهم والأكبر للأسباب الحقيقية التي أفضت إلى تفاقم تحديات البطالة وشح توظيف العمالة الوطنية، وضرورة العمل المتكامل على إيجاد فرص العمل الكريمة والمناسبة للباحثين عن التوظيف، كل هذا قد أصبح مغيبا بدرجة كبيرة جدا، كون الأجهزة المعنية منشغلة في أغلب جهودها ومواردها بالتعامل مع ما تقدم ذكره من آثار ونتائج لم تكن في حسبان وزارة العمل! بل لقد ازدات الأسباب الحقيقية لوجود البطالة وشح توظيف العمالة الوطنية وزنا أكبر من سابق عهدها قبل نحو خمسة أعوام، واتسعت رقعتها بصورة أكبر مما كانت عليه حينئذ.
الآن؛ هل تستمر وزارة العمل وبقية المؤسسات التابعة لها في مطاردة تلك الآثار والنتائج كما هو قائم في الوقت الراهن؟ أم أن عليها العودة إلى المربع الأول مما نصت عليه استراتيجية التوظيف السعودية من سياسات وبرامج؟ مع الأخذ في الاعتبار كل التغيرات التي طرأت على واقع سوق العمل المحلية طوال الأعوام الخمسة الماضية، والاختلاف الكبير الذي طرأ على الظروف والمعطيات الاقتصادية والاجتماعية بين الفترتين.
إنهما السؤالان الرئيسان في هذا التاريخ الراهن، دون إهمال ما ينطوي عليه كل سؤال منهما من أسئلة تفصيلية كثيرة أخرى ذات علاقة وثيقة بالعنوان الرئيس لكل منهما، الذين يجب أن تتوقف عندهما وزارة العمل والمؤسسات التابعة لها كافة، لتعكف على البحث والدراسة والمراجعة والمقارنة، والوصول من ثم إلى إجابات محددة وواضحة، تكفل لها اتخاذ القرارات والإجراءات المعالجة لمعضلة البطالة محليا، والسير منطلقة منها في طريق جديد مختلف تماما عما هو قائم الآن، هو في الغالب كما تؤكد وقائع القرارات والإجراءات الأخيرة الصادرة عن وزارة العمل؛ أنه لا يتجاوز مجرد كونه ردود فعل للتعامل مع آثار ونتائج تطبيق برامج التوطين المستحدثة منذ مطلع 2011.
دائما ما يطرح السؤال المتشعب التالي: ما المشكلة الأساسية في برامج التوطين التي تبنتها وزارة العمل في مقدمتها برنامج نطاقات، عدا بقية البرامج المشتقة عنها؟ ولماذا هذه المواقف المضادة لتلك البرامج منذ بدأ التفكير ثم العمل بها؟ إنه السؤال الذي لا يمكن لنا إلا أن نطرحه، وفي الوقت نفسه هو السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه بصراحة ووضوح مطلقين.
تكمن المشكلة الرئيسة في برامج التوطين السابقة، وتحديدا نطاقات الذي شكل الوزن الأكبر والأثقل في تلك البرامج؛ أنه انطلق في معالجته لتحديات سوق العمل من نقطة الإبقاء على التشوهات الكامنة في أغلب أجزائها، بل لقد اعترف بها بالدرجة الكاملة، وغفل عن أنها في الأصل نشأت من تشوهات أكبر جثمت على كاهل الاقتصاد الكلي! وتعاملت برامج التوطين تلك معها على أنها (مسلمة) من مسلمات الاقتصاد والسوق على حد سواء. لهذا كان طبيعيا أن تذبل أوراقه وألوانه حتى قبل موسم حصاد ثمارها، ليصل مبكرا إلى النتيجة الوخيمة التي عبر عنها بوضوح تام تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط 2014! الذي أوضح بصورة مفصلة في الفصل الثالث منه: أنه مع ازدياد الإنفاق على التعليم والتدريب فإن القطاع الخاص، لم يستطع توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب العمالة الوطنية الماهرة، والحاصلة على المستويات التعليمية المرتفعة، لأن معظم الوظائف في القطاع الخاص هي للعمالة غير الماهرة بمستوى تعليم دون الثانوي والتي يتم استقدامها من الخارج (صفحة 34).
كما أكد التقرير الحقيقة التالية: أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة في المملكة حيث إن غالبية الوظائف فيه هي وظائف غير ماهرة بينما العمالة الوطنية هي عمالة ماهرة! مفسرا التقرير تلك الحقيقة بما يلي: اتضح من دراسة الوضع الحالي في سوق العمل وبيانات مسح القوى العاملة الصادر من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة لسببين، الأول: أن الغالب في الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص هي وظائف غير ماهرة، ولا تتطلب مستوى تعليميا مرتفعا؛ ما يجعل إحلال العمالة الوافدة بعمالة وطنية واستيعاب الأيدي العاملة الوطنية ضعيفا. إن الأكثر في العمالة الوطنية أنها عمالة ماهرة، كما أن أغلب العاطلين عن العمل هم من حملة الشهادات الجامعية. أما السبب الثاني فيرجع إلى أن مجالات وفرص العمل في القطاع الخاص محدودة بالنسبة للإناث، حيث إن 88 في المائة من الداخلين الجدد في سوق العمل في القطاع الخاص في عام 2014 هم من الذكور، بينما لم تمثل نسبة الإناث سوى 12 في المائة، في حين أن معدل البطالة هو الأكبر لدى الإناث حيث يبلغ نحو 32.8 في المائة، بينما لا يمثل معدل البطالة لدى الذكور سوى 5.9 في المائة في عام 2014 (صفحة 35).
أليس كافيا بعد ما تقدم من حقائق وصلت إليها التقارير والدراسات الرسمية، بالتزامن مع ما وصلت إليه تحذيرات المراقبين والمختصين، حول أسباب فشل برامج التوطين وفي مقدمتها (برنامج نطاقات)، أن نكون أكثر جرأة في اتخاذ القرار الأنسب، والعودة إلى المربع الأول الذي تمت الإشارة إليه طوال الأعوام الخمسة الماضية؛ المتمثل في تركيز الجهود المتكاملة والأوسع التي تنصب على معالجة تشوهات الاقتصاد الكلي كخطوة أسبق، قبل البدء في معالجة تشوهات سوق العمل التي لا تتعدى كونها خطوة لاحقة أو بالتزامن مع الخطوة الأكبر والأهم المشار إليها قبل قليل، ومن ثم ستفتح الآفاق الرحبة الواسعة أمام سوق العمل، ليتحول على النقيض تماما من التشخيص الذي وضعه تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط لسوق العمل (القطاع الخاص)، بعدم كفاءته لأن يكون حلا لامتصاص مئات الآلاف من العاطلين، في الوقت الذي هو على وضعه الراهن ليس صالحا إلا لإيجاد وظائف غير إنتاجية، ولهذا السبب كان جاذبا بشدة لاستقدام الملايين من العمالة الوافدة المتدنية المهارات والتعليم، وفي الوقت نفسه عاجزا تماما عن توظيف مخرجات التعليم العالي والعام والفني من المواطنين! والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up