رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

هل ستختفي الأديان أم تستمر في التوالد؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أذكر أنني كتبتُ مقالا أكدت فيه على حتمية تفرع الأديان وانقسامها بمرور الزمن.. استشهدت حينها بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ...
وهذه الظاهرة ليست حتمية فقط، بل ونتيجة طبيعية ومتوقعة لخلافات الرأي وطرق الاستنباط وتنوع المؤثرات وتأثر الجميع بالأعراف والتقاليد المحلية السائدة في كل منطقة..
والحقيقية هي ان الانسان اخترع بنفسه أكثر من 99% من الديانات التي مارسها خلال التاريخ.. وليس أدل على ذلك (وفي أيامنا هذه) من وجود آلاف الديانات الوضعية مقابل ثلاث ديانات سماوية فقط. وجميع هذه الديانات تملك داخلها أعدادا هائلة من الفرق والطوائف والآلهة (لدرجة أصبحت الهندوسية التي تعد أقدم ديانة موجودة في التاريخ تملك أكثر من عشرة آلاف إله)..
.. وفي حال قصرنا حديثنا على الديانات السماوية الثلاث نكتشف أن اليهودية مثلا كانت منقسمة حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عشرات الفرق والطوائف.. وبالإضافة الى السامرة والصدوق والمقاربة والعيسوية والعنانية (وجميعها فرق يهودية قديمة) ظهرت اليوم في إسرائيل فرق ومجموعات ترتبط بالقوميات والأعراق كاليهود الغربيين (الأشكيناز) والشرقيين (السفرديم) والأثيوبيين (الفلاشا)، والروس (القوقاز)، والعرب (من المغرب واليمن والعراق)..
وبعد اليهودية انقسمت المسيحية وتفرعت وأصبحت تملك مذاهب وفرقا وكتبا كثيرة.. لم تتوقف الحروب والمجازر بين أتباعها إلا في عقد التسعينيات من القرن العشرين، حين توقف آخر صراع بين الكاثوليك والبروتستانت في عقد التسعينيات في إيرلندا الشمالية..
والحقيقة هي أن عيسى عليه السلام لم يكتب أصلا شيئا من تعاليمه بل كتبها الحواريون من بعده وأصبحت أربعة أناجيل رسمية تدعى بأسمائهم (متى ومرقص ولوقا ويوحنا).. وحتى هذه الأناجيل لم يتم الاعتراف بها إلا في القرن الرابع من الميلاد حين أقرها مجمعا موراتوري ونيقية (ومستثنين أناجيل ورسائل كثيرة جمعت بعد وفاته) في حين لم يتم الاعتراف بسفر الرؤيا إلا من قبل مجمع قرطاجة عام 397..
وبعد ميلاد المسيح بستمئة عام ظهر الإسلام وكان الجميع حينها على مذهب واحد لا يملك غير مصدرين للتشريع هما القرآن الكريم، والأحاديث المتواترة.. الشرخ الكبير حدث بعد موقعتي الجمل وصفين حين انقسم المسلمون إلى فرقتين عظيمتين تحتكم إلى مفاهيم وتفاسير جديدة.. وقرناً بعد قرن انقسمت هاتين المجموعتين إلى عشرات المذاهب والفرق المتصادمة ووضع كل طرف أحاديث مكذوبة تأييدا لموقفه، وتأكيدا على خطأ الآخر (بدليل وجود أربعة آلاف حديث فقط في صحيح البخاري من ستمئة ألف كان يحفظها البخاري نفسه)..
وهذه مجرد أمثلة حقيقية تؤكد ظاهرة تفرع الأديان السماوية واستمرار الانسان في اختراع الأديان الوضعية لحاجته (بكل بساطة) لمن يجيب عن أسئلته الأزلية.. حتى الأفكار الإلحادية واللادينية يتم منهجتها هذه الأيام بطريقة ستنتهي بظهور ديانات فكرية تعتمد على تقديس المنطقي والمحسوس وما يمكن إثباته فقط.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up