رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

أعظم مخترع محظوظ

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الاختراعات العظيمة مثل المباني العظيمة يشارك في بنائها عدد كبير من الناس ولكن التاريخ لا يحتفظ سوى باسم واحد فقط.. فهي تتطور باستمرار بفضل سلسلة من المبدعين الذين يضيفون لبنة هنا، ولبنة هناك، حتى يكتمل البناء فينسب الفضل لمن يضع آخر لبنة (وأحيانا قليلة لآخر شخصين أو ثلاثة فقط)..
لهذا السبب يصعب الاتفاق مثلا على من اخترع الطائرة والسيارة والراديو والتلفون كونها ظهرت من خلال سلسلة مخترعين عاشوا في فترات متقاربة، ناهيك عن حقيقة ورود الفكرة ذاتها على أذهان آلاف البشر قبلهم ..
لهذا السبب تلاحظ أن أكثر من فرد (وأحيانا أكثر من أمة ودولة) تتنازع شرف أسبقية الاختراعات والاكتشافات العظيمة.. خذ كمثال الهاتف الذي تنازع حق اختراعه جراهام بيل الأميركي، وأنطونيو ميوتشي الإيطالي، والطائرة التي لاتزال محل نزاع بين الأخوين رايت في أميركا، وكليمون آدر في فرنسا، وألبرتو سانتوس في البرازيل (والبرازيل تُطلق اسم الأخير على ثلاثة مطارات رئيسية).. أما السيارة فتدعي فرنسا أسبقية اختراعها من قبل نيوكولاس كيجنوت، وألمانيا إلى نيكولاس أوتو وكارل بينز، وأميركا إلى هنري فورد الذي صنع للناس سيارات شعبية يمكنهم امتلاكها..
.. ما يحدث غالبا (قبل ظهور أي اختراع أو اكتشاف عظيم) هو أن المناخ العلمي يصبح متشبعا ومتجها لتحقيقه عاجلا أم آجلا.. فحين اختُرع التلغراف مثلا كان من الطبيعي أن يفكر أكثر من شخص باختراع مشابه ينقل حديث الانسان مباشرة.. وحين نجح ماركوني الإيطالي في اختراع الراديو أصبحت الخطوة التالية هي اختراع "التلفزيون" لدمج الصوت مع الصورة!
وبحسب خبرتي يعد المخترع الأميركي توماس أديسون أعظم مخترع محظوظ في التاريخ كون اختراعات كثيرة (حاول فيها قبله عدد كبير من المخترعين) تمت إعادة صياغتها في مختبره.. فمن الشائع مثلا أنه اخترع المصباح الكهربائي، ولكن الحقيقة هي أن فيركة الألماني ودافي البريطاني كانت لهما انجازات شبكة كاملة في هذا المجال.. ومن المشهور أيضا أنه اخترع البطارية الكيميائية ولكن الحقيقة هي أنه طور فقط بطارية الألكلاين لصالح سيارات فورد.. وليس صحيحا أيضا أنه اخترع مولد الكهرباء المتردد بل أنشأ أول شبكة لتوزيع الكهرباء في نيويورك (وكان المخترع الحقيقي منافسه الكرواتي نيوكولاس تسلا)..
.. أيضا لا ننسى أن أديسون كان يترأس مختبرا للأبحاث يضم عددا كبيرا من المخترعين الأذكياء.. وهكذا كانت بعض اختراعاته مجرد اقتراحات أو أمنيات طلب من مساعديه البحث في إمكانية تنفيذها.. فمن المشهور مثلا أنه اخترع جهاز العرض السينمائي (الكينتوسكوب) والكرسي الكهربائي (الخاص بالإعدام) ولكن الحقيقة هي أنه طرح الفكرة فقط فنفذ الأولى المهندس لوليام ديكسون، ونفذ الثانية المهندس هارولد براون..
ومع هذا؛ لا ينكر أحد عبقرية أديسون ودوره في إكمال أكثر من 48 اختراعا من بين 1000 اختراع نفذها طوال حياته (وإن كنت أرى شخصيا أن تشكيله فريقا للأبحاث هو أهم اختراعاته بعد أن كانت الابتكارات والاكتشافات يغلب عليها طابع الفردية والعشوائية)!
.. ومن كل هذا ندرك أن الانجازات العظيمة تنشأ وتتطور بفضل سلسلة طويلة من العباقرة الذين طواهم النسيان ولم يحتفظ التاريخ (كشأنه دائما) سوى بسم واحد فقط..
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up