رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

الإزدواجية الأخلاقية !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ترسخت لدي قناعة بأن الضرر الذي نلحقه نحن المسلمون بديننا الحنيف، أبلغ وأشد مما يلحقه به المتربصون بديننا. ولا أدري هل ذلك بسبب الغفلة أم هو الجهل بعينه، إذ لا يمكن أن يكون الدافع لذلك سوء النية بقصد الإساءة والهدم والتشويه!. وأياً كان القصد والهدف فالنتيجة واحدة في كل الأحوال، وهي سلبية بكل تأكيد. لا أدري لماذا يعتبر البعض أن هناك تناقض وتعارض بين الإسلام والتطور، أو أن الإسلام نقيض للتغيير؛ فمع كل دعوة للتطور والتغيير ترتفع أصوات البعض معارضة هذه الدعوة تحت مظلة الإسلام، في حين أن الإسلام هو دعوة في جوهرها للتغيير الدائم والتطور اللامتناهي و اللا محدود، وهو الدين الوحيد في الدنيا الذي جعل من التفكير فريضة والدليل على ذلك قول المولى عزّ وجل في محكم تنزيله ( كتابٌ أنزلناه إليكَ مباركاً ليّدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) الآية (29 من سورة ص). واعتقد جازماً أن يرجع، ضمن أسباب أخرى إلى خلطنا ما بين الدين والعُرف، أي بين الشرع الإسلامي والعرف الاجتماعي، فنحن نميل إلى أن نضفي على أعرافنا الاجتماعية قداسة دينية حتى لا تتعرض للانتهاك والتجاوز من قبل المتمردين عليها. وهذه ليست خاصية يتميز بها المجتمع السعودي أو العربي عموماً، وإنما هي آلية دفاعية تلجأ إليها كل المجتمعات الإنسانية في سبيل المحافظة على تماسكها و استقرارها. إلا أنها تصبح سلاحاً ماضياً في يد القوى الاجتماعية التي تقف في وجه كل تطور وتغيير حين تضفى عليها قداسة دينية تحركها من خانة العرف الاجتماعي إلى مرتبة الشريعة الإسلامية أن المملكة تمر في هذه المرحلة بظروف دقيقة وحرجة، وهي الآن أحوج ما تكون إلى الحكمة ليس في الأفعال فحسب، بل وفي الأقوال أيضاً، وفي حاجة إلى استدعاء أكبر قدر من الروية والتأني في كل قول وفعل. واحدة من أكبر آفاتنا هذه الإزدواجية الأخلاقية. نحن لم نسأل أنفسنا يوماً : لماذا يشارك رجال الأعمال وغيرهم في منتديات ومؤتمرات تشارك فيها نساء متبرجات فعلاً وبحق، ويستنكرون ذلك حين تشارك من بلدهم سيدات فضليات لم يكن بأية حال متبرجات في المنتديات. هل تتجزأ المبادئ الدينية وتفصل جغرافياً؟، أننا نعاني في حياتنا الفكرية من الفوضى في استخدام المصطلحات، الأمر الذي يجعلنا نسقط في الخطأ والتناقض . ولا يستطيع أكبر مفكر أو" بهلوان" في العالم أن يستطعم وصفا بجمع النقيضين مثل وصفك لأحد: بأنه مسلم وعلماني معاً. لأن وصفك له بالمسلم ينفي تلقائياً علمانيته. والعكس أيضاً حين تقول عن شخص علماني بأنه مسلم. ولكنك تستطيع أن تتجاوز هذا التناقض قليلاً إذا نقلت هذا إلى حقل الفكر السياسي. إلا أن من يطلقون هذه الصفة - وهم في الغالب ممن ينسبون أنفسهم لما يسمى زوراً بالإسلام السياسي- على من يختلفون معهم في الرأي والاجتهاد إنما يستخدمون المفهوم الفلسفي، دون علم أو وعي منهم بهذا. وعليه اقترح عليهم أن يطلقوا على دعاة الإصلاح والتطوير مصطلح العقلانيين، فهو إلى حدٍ ما أقرب إلى توجهاتهم الفكرية، أو أن يسمونهم التنويريين. لأن مفهوم العالماني ومصطلحه ليسا من اختراعهم حتى يتصرفون فيه كما شاءوا، وإنما هو محدد ومضبوط في آفاقه العلمية. و أعتقد أن مسألة العقل والعقلانية قد تطرق لها الفيلسوف المسلم القاضي ابن رشد، فعليهم بقراءته، وقراءة مؤلفات الإمام الشاطبي، حتى يثروا ثقافتهم الإسلامية فكرياً ليتبنوا مواقع أقدامهم، بدلاً من هذا التخبط الفكري، والتردد الببغائي لمقولات ومصطلحات لا يعرفون معانيها ويجهلون أصولها ومدلولاتها

arrow up