رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

أنصفوا الرجال

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الرجل، في مجتمعي، ليتفطر له الكبد ويتقطع له الفؤاد، فهو الذي يركض دون توقف، مسابقاً الزمن ومع ذلك، قد يحقّق مبتغاه وقد لا يحقق، فهو كالذي «ضيّع في الأوهام عمره»
أولًا كنتُ سأموت لأنهي الثانوية وأنضم للجامعة، ثم كنت سأموت لأتخرج من الجامعة وأحصل على وظيفة، ثم كنت سأموت لأتزوج وأنجب الأولاد، ثم كنت سأموت حتى يدخل أولادي المدرسة، ثم كنت سأموت حتى أحصل على التقاعد، والآن أنا سأموت... وفجأة لاحظتُ أنني نسيتُ أن أعيش..!! تنسب هذه المقولة لشخص يدعى نيكول زابلوسكي وسواء صحّت النسبة له أو لغيره إلا أن المقولة تستحق التوقف ملياً. حدث حوار حميم مع صديقي الحميم، وهو الرجل العملي المتفاني في عمله إلى أبعد الحدود. كان الرجل في مهمة عمل في الدمام يوم خميس ما، ورغم أن «الويكند» حلّ إلا أنه قد حجز رحلة الإياب في نفس اليوم بعد أن ينهي مهمته العملية مباشرة للعودة للرياض لحضور مناسبة عائلية مساءً. لحسن حظه فاتته الرحلة لكنه- وفي لحظة تأمل-تساءل لماذا كل هذا الركض المضني والمتواصل لتلبية احتياجات العمل ومحيط الأسرة والأصدقاء دون أن يكون لنفسي شيء من كل هذا العناء؟ إنني أركض-والحديث له- صباح مساء لتحقيق حاجات قد يكون نصيب ذاتي منها شيئا يسيرا وأحيانا، يكون النصيب منها، غير مذكور. ثم إنه قرر تأجيل رحلة العودة يومين ليقضيهما في منتجع على الساحل الشرقي كمكافأة يسيرة للذات.
في مجتمعنا المحلي، يتطلب من الرجل أن يكون هو المسؤول الأول والوحيد عن كل احتياجات بناء الأسرة منذ شرخ العمر إلى أحقاب الموت، فهو الذي يكدح، يافعا ثم طاعنا، طوال اليوم لتوفير متطلبات معينة حتى يتم قبوله كعريس لتلك العروس، التي دورها أن تقوم بشؤون البيت «المتواضعة» مقارنةً بدور الرجل في معترك الحياة ومجابهة التحديات المحتدمة خارج المنزل.
وهل هناك مقارنة تستقيم بين مواجهة مطبخ المنزل ومواجهة مطبخ الحياة، مطبخ الحروب الشعواء والتي تستهلك الأعصاب والفكر والطاقة وقد تتماس مع المكانة الشخصية والكرامة الذاتية. هل هناك مقارنة تستقيم بين ترتيب المنزل والعناية به وبين ترتيب شؤون الحياة خارجه والتي قد يتجرع فيها علقم الكؤوس طافحة في ساحة وغى المهنة.
يبدأ صراع الرجل اليومي مع الحياة، بحرب الشوارع من خلال القيادة باتجاه العمل المليئة بالمختلين ومحاربي أدب الطرقات ونظامها، ولا تجد من يرد عادية هؤلاء، مروراً بالعمل المترع بأصناف التحديات والقتال المحموم مع الزملاء المتربصين والإدارة التي لا يرضيها شيء، إلا أن تموت على كرسي العمل. وهل هناك مقارنة تستقيم بين دور الأم في التعامل مع الأطفال الأبرياء في المنزل وبين دور الرجل في التعامل مع «العفاريت» خارج المنزل، والذين لا يهنأ لهم بال حتى يسقطوك ليتسلقوا فوق جسدك المنهك بسهام الغدر والخيانة والوشاية. هل هناك مقارنة تستقيم بين مواجهة ألطف كائنات الأرض في المنزل، الأطفال، وبين مواجهة رجس أثقل كائنات الأرض وعوادي الأيام، في الخارج! ما الذي تبقى من أعمال المنزل؟ ربما الغسيل.. وهل هناك مقارنة تستقيم بين غسيل الأواني والملابس وبين غسيل ما لحق بالقلب وعلق بالنفس من مطارحة سباع البشر وضواري البرِية، خارج المسكن.
تبقى أيضا أن ربة البيت- وهن أغلب نساء مجتمعنا- تعمل في مملكتها الخاصة بها وهو المنزل بينما الزميل الرجل يعمل في مملكة غيره وقد تكون فاشية شمولية، وبالتالي فهو بين الحياة والموت، في محكمة عمل تحاسبه على النقير والقطمير، ثم يعود للمنزل منهكا مشوشا معرضّاً للوثة الفكر ونوشة الأمراض. قد يقول قائل/قائلة إن المرأة اليوم ليست حبيسة المنزل كما أسلفتم، فهي تعمل مثلك أيها الرجل وتنافسك المهام خارج المنزل غير أن حديثنا، فعلاً، عن تلك الملكة في منزلها- وهنّ الغالبية الساحقة-، من جانب آخر فالحقيقة تقول إن المرأة العاملة في مجتمعنا هي، في النهاية، غير مسؤولة عن المصاريف المنزلية مهما كان مرتّبها وبالتالي، فإن عملها ثانويا وليس إلزاميا. وعليه، فإن عمل «بعضهن» مجرد تحصيل حاصل وقد تضيف أعباءً أخرى على الرجل كتوفير سائق وشغالة والوقوف في طوابير المطاعم.
إن من يسأل عن دخل العروس ووظيفتها هو في نظر المجتمع «داخل على طمع» وربما دناءة منه، بينما من تسأل عن دخل العريس ووظيفته هي بالتأكيد تبحث عن حقها في الحياة الكريمة تحت كنف الرجل! إن الرجل، في مجتمعي، ليتفطر له الكبد ويتقطع له الفؤاد، فهو الذي يركض دون توقف، مسابقاً الزمن ومع ذلك، قد يحقّق مبتغاه وقد لا يحقق، فهو كالذي «ضيّع في الأوهام عمره». ليس عداوة للمرأة لكنها محاولة لإنصاف الرجل وما سبق مجرد وصف أغلبي لهم ولهن وليس على عمومه. صديقي الرجل المفؤود؛ إن لي رجية عندك أتمنى لو أديتها وهي أن تعيش، لقد كدحتَ طوال عمرك لغيرك لكنك نسيت أن تعيش حتى علا رأسك ثلج المشيب وظهر ندف الأيام، ثم يغشاك من لا يعرف لك حمدا ولا شكورا.
نقلا عن الوطن

arrow up