رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

عيسى أم عيسا.. أم لا داعي للخلاف؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

من الطبيعي أن يعترض البعض على المقالين اللذين نشرتهما قبل أيام بعنوان "قواعد اللغة ليست كتابا مقدسا" ثم "كيف أصبحت القواعد النحوية منفصلة عن حياتنا العملية"..
البعض اعترض على قولي بأن قواعد النحو جمدت لغتنا العربية على ما كانت عليه قبل 14 قرنا.. والبعض الآخر على مطالبتي بإلغاء كتابة الهمزة كي نرتاح من تقافزها (أسوة بأحرف كثيرة تنطق ولا تكتب) في حين لم يفهم قسم ثالث فكرة المقال فحاول تعليمي أهمية علامات التشكيل وكيفية وضع الهمزة فوق أو تحت أو وسط الكلمة..
على أي حال؛ لا أرغب اليوم بتكرار ما قلته سابقا عن قواعد النحو واستنباطها من لغة قريش دون بقية القبائل.. سأكتفي بالإشارة إلى مسألة الرسوم الإملائية التي يمكن كتابتها بأشكال مختلفة - باختلاف مجامع اللغة في بلادنا العربية.. إلى ضرورة التمييز بين الخطأ النحوي والإملائي ورسم الكلمة - ثم الاختيار بعد كل ذلك بين خطأ شائع يفهمه عامة الناس، أو صحيح مفروض يطالب به حراس اللغة. فكلمات كثيرة في اللغة العربية (يجوز) كتابتها بطرق ورسوم مختلفة.. وفي القرآن الكريم توجد كلمات كثيرة تكتب برسم يختلف عما هو شائع في حياتنا اليومية؛ فالرحمان مثلا تكتب "رحمن" والسماوات "سموات" ومسيطر "مصيطر" وسبحان تأتي أحيانا "سبحن".. ولو خطَأَنا كل من كتب برسم مختلف لتوجب الاستغناء عن الرسم العثماني في مصاحفنا الحالية وإعادة كتابتها من جديد!
.. أذكر في بداية تحريري لهذه الزاوية أنني قررت تطوير نفسي لغوياً فاشتريت عددا كبيرا من معاجم اللغة. ومن بين الكتب التي اشتريتها شيء ضخم يدعى "معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة". وبعد قراءة 1000 صفحة و2135 خطأ لغويا وإملائيا قلت لنفسي: مهلا هل يعقل ان تكون هذه كلها "أخطاء".. لو سلمنا بكل ما جاء في الكتاب لما كتب الكُتاب ولا تحدث الناس ولعُدت اللغة العربية ميتة على ارض الواقع.. حينها نظرت للأمر (من زاوية مختلفة) واعتبرت الكلمات والمعاني "الخطأ" من إرهاصات تطور اللغة وحتمية تغيرها بمرور الزمن.
أضف لذلك أن وظيفة اللغة الأساسية هي إيصال المعاني بدقة ووضوح؛ وهذان المطلبان لا يتحققان إن تقيدنا بكل الكلمات والتعابير القديمة واعتبرنا كل الكلمات والتعابير الجديدة "خطأ".. والمشكلة أننا حتى لو قررنا اعتبار الكلمات القديمة هي المرجع الذي نسير عليه فإننا بهذا نضع أنفسنا في تناقض مخل؛ فقد ورثنا من أسلافنا أخطاء واضحة نصر على الاحتفاظ بها؛ ومن أمثلة ذلك كتابة الكلمات التالية بهذا الشكل: داود وإسماعيل وهذا وهذه وأولئك ولكن والسموات والصلوة والزكوة ومائة وأيضا الله وإله.. فكتابة كلمة "مائة" مثلا بهذا الشكل خطأ وكان الشيخ حمد الجاسر يكتب الأرقام المئوية بهمزة على السطر (مئة) وكان يفصل بينها وبين الرقم الذي قبلها فيكتب (أربع مئة). واختلاف الآراء هنا سبب إصرار فريق على كتابة الكلمات كما كتبها الأقدمون، في حين يرى البعض الآخر ضرورة تعديل الخطأ وكتابة الكلمات كما تنطق فعليا.. هذا ما كان يفعله طه حسين الذي كان يصر على كتابة اسمه بهذه الطريقة (طاها حسين) في حين أجاز مجمع اللغة العربية في القاهرة كتابة عيسى ك(عيسا) ومجمع بغداد كتابة هيئة (هيأة)..
والحقيقة هي أن عدم وجود قاعدة صلبة ومرجعية واضحة هو ما يجعل البعض يكرر نفس الأخطاء (ولا يتعلم أبدا).. فالتعليم يبدأ بإعطاء فكرة واضحة عن الفرق بين الصح والخطأ كي لا تلتبس الحال. أما اختلاف المدارس وعدم وجود تأثير حقيقي وملموس يغير المعنى (بين الرسومات المختلفة) فيجعل الفكرة مشوشة في أذهان الناس..
من وجهة نظري المتواضعة أرى أن المرجعية في كتابة الكلمات يجب ان تكون لكتابتها كما تلفظ تماما وتنطق بالضبط.. فهذه ليست فقط أدق وأبسط طريقة نعلم بها أطفالنا، بل ومرجعية بدهية يصعب أن يختلف عليها كلا الفريقين.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up