رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

الفساد بـ «عيون المفسدين»!!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يعترفون به وما من أحدٍ فيهم قد كابر فأعلن مِن ثَمَّ عن عدم وجوده في البلاد واستشرائه في العباد..! وإنّ منهم – وهم كثير – من نذرَ نفسَه للاشتغال على محاربته بما يمتلكه من أسبابٍ نافذةٍ وبما أُوتيه من قوة حتى ألفيناه «أسداً هصوراً» يخشاه كلُّ من يُمكن أن تُحدّثه نفسه بمقاربة حيطان الفساد فضلاً عن تسوّرها!! وشهادةً للحق – وللتاريخ – أرفع بها صوتي: إنّ سادة: «الفساد» وكُبراءه هم القومُ الذين لا يسأمون من التحذير منه بالإبانةِ عن عظم خطورته واستطالة شروره على الدين وقيمه وعلى الوطن ومصالحه!! لستُ هاهنا متهكماً أو كاتباً يُمارس إسقاطاتٍ – عابرةٍ – إذ يتوسّل أسلوباً مُغايراً في الإيحاءِ ابتغاءَ تكريس إدانتهم! كلا وألف كلا ذلك أني أعي جيداً ما كتبتُ قبلاً وأعني كلّ حرفٍ منه.. وإن شئتم أعدته ثانية بالموجز من القول جزماً بـ أنّ «المفسدين» يأتون أولاً على رأس القائمة التي ما فتئت تُحارب الفساد!! نعم – يا سادة – إنّ هذه الجمهرة من «المفسدين» قائمةً على سُوقها تُحارب الفساد عن عقيدةٍ/ وجهاد ولم تدّخر في ذلك جهداً بحسبانها قد استنفدت كلّ وسعها في سبيل تضييق منافذه وتجفيف منابعه تبتغي بذلك القضاء عليه قضاء مُبرماً..! عفواً.. يبدو أنّ الحماسَ المفعمَ لهذه الطغمة «المفسدة/ الفاسدة» أخذَ منّي كلّ مأخذ.. وذلك أني حينَ أعدتُ قراءة ما مضى من أسطر تبيّن لي أني لم أقل غير «الحقيقة» لكنها جاءت «منقوصة» وعلى شيءٍ كبيرٍ من «الغش»! إذ جئت على ذكر الفساد هاهنا مطلقاً بينما كان الأولى بي أنّ أقيّده رفعاً لحرج الإلباس ودفعاً للإيهام. لا أن أدعه هكذا بعمومه دون ضبطٍ وقيد، حيثُ إنّ «المفسدين» ممن كنتُ قد عنيتهم بهذه الكتابة لا يتجه حزبهم إلا لنوعٍ واحدٍ من الفساد وهو (الفساد الأخلاقي وفي شقّ ما يُعرف بـ الرذيلة) إذ إنهم لا يرون «الفساد» إلا حيث تكون الممارسات الشائنة المتعلقة بدوافع من «الشهوة الجنسية» ليس غير وما سواه فإنهم – عن سبق إصرار وترصّد – لا يعدونه «فساداً» وليس هو مشمولاً في قاموس الفساد لديهم!! إلى ذلك.. فإن هؤلاء المفسدين – من أرباب الورع الزائف – لا يرون من الفساد العريض في الأرض إلا «صنفا واحداً»، ومتى ما تحدّث أحدهم عن الفساد وأخذته الحمية لدينه/ ولوطنه فطالب في كلّ الأمكنة التي يغشاها بـ «محاربة الفساد» فلا تمضي بك الظنون بعيداً فتظلمه، إذ تحسبه قد أراد بذلك «الفساد» بمفهومه الواسع الذي يتجاوز حصره في مقارفة «الفواحش»!! جلستُ مرّةً إلى أحدهم والحديث حينها كان عن حالات «التّحرش» وتفاقمها حتى غدت ظاهرةً في مجتمعنا «المحافظ»! فما رأيتُ إذ ذاك – وبحياتي قطّ – من يُمكن أن يماثله غيرةً وإنكاراً يتضح ذلك من ملامحه التي ما إن حمي وطيس النقاش حتى اكتست ملامحه كلها بحمرةٍ من الغضب «الرباني» على نحوٍ طغت فيه الحمرة على كلّ ما في عينيه من بياض باتساع حدقتها.. ولقد خشي الجالسون يومئذ علي صحّته/ وحياته بسببٍ من الحالة التي تلبّسته وهو أمرٌ يُحمد عليه لو لا أنّنا ما لبثنا غير قليل وإذ بأحدهم يورد قصة مغايرة لموضوع «التحرش» قد حدثت في نفس الوقت الذي جرت فيه حكاية «التحرش/ المشينة»، غير أنّها لم تُحرّك في صاحبنا ساكناً، بل إنّه أثناء الحديث الثاني عن القصة المغايرة التي تحكي عن جريمة «اختلاس مبلغٍ ضخمٍ من المال العام» لم ينبس ببنت شفة، بل أبان عن عدم اكتراثه لمّا أن ألصق كامل عجيزته على الأرض وراح يرتشف بصوتٍ مسموعٍ بقايا ما فَضُل من فنجان قهوته، عابثاً بمسبحته ذات الخرز الكريستالي وما بين رشفةٍ وأخرى كان يدني علي كرشته طرفاً من «بشته» تاركاً لعينيه ملاحقة حركة «المروحة» المعلقة في منتصف السقف! بمثل هذا «المفسد» لا تتفاءلوا كثيراً باستئصال شأفة الفساد ولا حتى بشيءٍ من تحجيم سعة دوائره المنزاحة تمدّداً بفعل المناخ!! فـ «الفساد» والاشتغال على محاربته لن يتحقق واقعاً ما كان فينا من لم يزل بعْدُ يُكرّس في الناس تجزيئة «الفساد» بحيث لا تتجه سهامُ محاربته إلا إلى نوعية خاصةٍ تُنتقى من «فساد» لا يبرح منطقة «الفضيلة/ أخلاقياً» والحق أنّ الفساد اسمٌ جامعٌ لكلّ ما ينقض ما أُبرم مما جاءت الشريعة بحفظه من الدين والنفس والعقل والمال والعرض.. ومن هنا فإنّ كلّ ما يخالف المصلحة ويلحق ضُرّه الناس بعامةٍ فهو «فساد» وهو بكلّ أنواعه/ وبكلّ صوره محرّم في الشريعة، إذ نفرت منه ودعت إلى مكافحته «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ». «تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» ما بقي غير التذكير بما يلي: * إن نظرة الإسلام للفساد لم تكن في يومٍ من الأيام – ولن تكون – تلك النظرة التجزيئية وكأنها استحالت عملاً انتقائياً أوكلت لنا الشريعةُ فيه الاختيار فيما هو فساد وفيما هو ليس بفساد بحسب أهوائنا ومكتسباتنا!! بل إن نظرة الإسلام جاءت كليّة فكان من شأنها استيعاب كل خلل يطال المجتمع بالضرر، إذ عمل الإسلام على محاربة الفساد في معالجته لأدواء الانحراف في السلوك الإنساني قبلاً ثم عمل تالياً على محاربة الأسباب والوسائل التي تُفضي لأي خروج عن المصلحة، فتكون «فسادا» في ضبطٍ من الإسلام لأعمال المكلفين على هدي من الاستقامة. * ثمّة تورعٌ مغشوش يتولّى كبره من يتمعّر وجهه لـ «فساد» منكرٍ يخرم المروءة (أخلاقاً) في حين لا تسمع عنه/ ولا منه تبرماً ولا حتى مجرد «حوقلة» إذا ما تسلل الفساد إلى القضاء وضرب بجرانه على مرافق «العدل»!! * لو أنّ الفساد شأن يتعلق بـ «الفاحشة» فحسب لربما رأينا القرآن المجيد/ والسنة ليس فيهما من الأحكام إلا ماكان يتصل بحفظ كليّة «النسل/ العرض» وحسب؛ على حين أن القرآن/ وصحيح السنة قد امتلأت نصوصهما في الأحكام التي تخص حفظ الضرورات الخمس وهي الكليات التي تمت مراعاتها في جميع الملل والشرائع.. * الفاسد كائنٌ – انتهازيٌّ – لا يُراعي حرمة دينٍ ولا هو بالذي يُحب «وطناً»، غير أنه لا يُمكن له أن يشب عن الطوق ويترعرع إلا في بيئة تُبرر له «فساده»، على النحو الذي أدركناه في مجتمعنا بصورٍ صارخةٍ لا يصح السكوت عنها.. ومن علامة هذا الانتكاس في الموقف من «المفسدين» أن ترى من وقع في فخ الشهوة – ضعفا – فمارس منكراً – خطأ لا نبرره – فإن المجتمع لا يمكن بأي حالٍ أن يغفر له زلته فينسها له ولو أنه تاب توبة لو تابها أهل مكس لوسعتهم!! بينما ترى المفسد الكبير ممن يسرق المال العام أو يستثمر نفوذه فيعبث بمقدارت «الوطن» ومصالح «المواطنين» فإن المجتمع بكل أطيافه سُرعان ما يغفر له جريرته تلك، بل يُسبغون عليها من الألقاب الفخمة من الطهارة والنقاء مع أنه لم تزل بعدُ يده عابثة/ مفسدة!!
نقلا عن الشرق

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up