رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. زهير الحارثي
د. زهير الحارثي

عندما تعلو ولاءات الوطن على ما دونها

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

التحدي لأي دولة في عصرنا الراهن يتمثل في المحافظة على وحدتها الوطنية بعيداً عن أي مؤثرات أو تهديدات داخلية أو خارجية، فالوحدة الوطنية تعلو فيها ولاءات الوطن على ما دونها من ولاءات شخصية أو عرقية أو مذهبية..
الزيارات الملكية للمناطق كانت وما زالت تقليداً ونهجاً يمارسه ملوك هذه البلاد، وهي مناسبة يحتفي بها الوطن لتجديد البيعة وتكريس الانتماء والولاء وتكريس العقد الاجتماعي ما بين الملك والشعب، وهي لحظة تاريخية تعيدنا لإرهاصات المشروع الوحدوي للمؤسس الراحل الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي صنع منجزاً وحدوياً لم يعرفه العالم العربي.
الملك سلمان لا يلبث أن يردد في أحاديثه ولقاءاته ومجالسه ما يؤكد على ثوابت الدولة وما صنعه المؤسس الراحل ورجاله، وتمسك ملوك هذه البلاد بمحددات السياسة السعودية، وأن هذه الدولة قامت على سواعد الأجداد فصنعوا الوحدة وحافظوا عليها، مشدداً على تعزيز الوحدة الوطنية حيث المساواة فلا تمييز ولا تفرقة ولا عنصرية، مؤكدا أن هذه البلاد جزء من هذا العالم ولدينا تحديات وعلينا مواجهتها بشجاعة.
نستحضر هنا سمات المؤسس الراحل الشخصية التي ساهمت بلا أدنى شك في خروج مشروعه الكبير للنور، إلا أن النقطة المفصلية في نجاح بناء الدولة حينذاك تعود في تقديري إلى توطينه للبدو، لأنه أيقن بفطرته آنذاك أنه لا يمكن لمشروع الدولة من أن ينطلق في تأسيس تنمية وحضارة من دون استقرار.
كان الارتحال مؤشراً خطراً، ويقوض منجزه التاريخي، فما كان منه إلا أن بادر بإرساء معالم الدولة بتوحيد القبائل ونقلها من مرحلة التخلف والاقتتال إلى مرحلة أكثر تقدماً وتحضراً ورقياً. استطاع الملك وقتها أن يجعل الولاء للدين قبل القبيلة، وهو ما ساهم في قابلية الانتماء للدولة.
مع بدء زيارات الملك سلمان للمناطق نستعيد شيئاً من لمحات تلك المرحلة اللافتة بعد مرور ثمانية عقود على هذه التجربة الوحدوية غير المسبوقة، ما يدفعنا للتمسك بها.
زيارات الملك تتضمن رسائل واضحة؛ أولها يعكس عمق العلاقة ما بين القيادة والمواطن وأن الجبهة الداخلية صلبة بدليل التأكيد على أهمية تغليب مصلحة الوطن على المصالح الفئوية والمناطقية والقبلية والمذهبية، ويجب ألا تكون هناك مساومة أو مزايدة على الوحدة الوطنية. وأن القيادة لا تميز بين منطقة وأخرى ولا بين مواطن وآخر، وأن تحقيق تطلعات الشعب هو هدف رئيس يحرص قادة البلاد على ترجمته وتحقيقه من خلال منظومة تنموية ومشروعات تحقق الرفاه والرخاء. زيارات الملك تروي قصة تلاحم ما بين القيادة والمواطن كشفتها ردود فعل المواطنين ومشاعرهم الفياضة والمتدفقة ترحيباً بخادم الحرمين. الرسالة الأقوى كانت للأعداء والخصوم فقد أصابتهم في مقتل وقطعت الطريق على مخططاتهم ودسائسهم فالصورة في القصيم وحائل كانت مزعجة لهم كونها عبرت عن وحدتنا الوطنية والتفاف شعبنا حول قيادته.
التحدي لأي دولة في عصرنا الراهن يتمثل في المحافظة على وحدتها الوطنية بعيداً عن أي مؤثرات أو تهديدات داخلية أو خارجية، فالوحدة الوطنية تعلو فيها ولاءات الوطن على ما دونها من ولاءات شخصية أو عرقية أو مذهبية. التلون المذهبي والثقافي والاجتماعي والرصيد التاريخي لبلادنا وإرثها الضخم وقيمها وطبيعة العقد الاجتماعي ما بين القيادة والمواطنين عوامل مهمة قادرة للإمساك بزمام الأمور ضد العابثين والطامعين. هذه مقومات لا بد من استثمارها وتوظيفها لمصلحة الوطن وأولويتنا هذا الكيان الذي يجب ألا نفرط فيه خاصة في ظل ما نشاهده اليوم من اقتتال واحتراب ودمار فيما يجاورنا من دول.
استهداف السعوديين واختراق شرائح الشباب منهم ودفعهم للانخراط في أجندة معادية، مستخدمين الوسائل كافة؛ من ترويج إشاعات وماكينة إعلامية، هو مطلب للأعداء، ما يعني ضرورة إحباط تلك المشروعات عبر إعادة النظر في مسألة الانتماء والولاء عبر استراتيجية وطنية تكشف نشوء الأسباب وتقترح علاج الخلل للوقوف ضد محاولات الاختراق والتمزيق.
اليقظة الفكرية والإحساس الوطني والمكاشفة أدوات يجب التسلح بها لمواجهة المخاطر المحدقة بنا وهي مسؤولية مشتركة من أجل الحفاظ على بيتنا الكبير. الوحدة الوطنية كجبهة داخلية سلاح لا يماثله سلاح في مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية وحماية المقدرات والمكتسبات، وكلما كانت الوحدة الوطنية صلبة كلما سقطت مشروعات الاختراق وقطعت الطريق على مشروعات المتربصين. ولعل الزخم الذي كشفت عنه زيارات الملك تعكس الطمأنينة التي يعيشها الشعب السعودي والثقة التي يكنها لملكه وولي عهده ما يعني القدرة على مواجهة التحديات والمخاطر.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up