رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

استقرار الاقتصاد مقابل انخفاض النفط مجددا

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يأتي انخفاض أسعار النفط مجددا، وفقده ربع قيمته خلال شهر مضى، في الوقت الذي قطع فيه الاقتصاد السعودي خلال أكثر من عامين، شوطا من الإصلاحات الهيكلية المهمة، التي مكنته وتمكنه من امتصاص الصدمات المحتملة للتقلبات في أسعار النفط، لعل من أهم تلك الإصلاحات الداعمة لاستقرار الاقتصاد، أنه بدأ العمل بعديد من البرامج التنفيذية تحت مظلة "رؤية المملكة 2030" كبرنامج تحقيق التوازن المالي، الذي مكن المالية العامة من ضبط وترشيد الإنفاق الحكومي، أسهم بدوره في خفض حجم العجز المالي بنحو 60 في المائة "49 مليار ريال"، خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي "121.5 مليار ريال". كما نجحت في زيادة الإيرادات غير النفطية 48 في المائة "211.1 مليار ريال"، خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي "142.8 مليار ريال". ودون إغفال كثير من البرامج التنفيذية الأخرى ذات العلاقة والمعلومة، فقد أسهمت مجتمعة في صناعة وجه آخر للاقتصاد السعودي، يمكن الاعتداد بما حققه في طريق تخفيف الاعتماد على دخل النفط، مقارنة بما كان عليه طوال عقود طويلة مضت، مع التأكيد على أنه لم يصل بعد إلى الهدف المنشود بالاستقلالية التامة عن دخل النفط، وأنه ما زال يشكل عمودا فقريا في هيكل المالية العامة، وله - بعد توفيق الله - الفضل الكبير في الانخفاض اللافت للعجز المالي المتحقق أخيرا.
تؤكد التطورات الراهنة هذا المستوى، وتبرز بدرجة بالغة، الأهمية القصوى التي تتصف بها مختلف البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030"، التي تستهدف في عمومها الوصول بالاقتصاد السعودي إلى مستويات أعلى إنتاجية، وأكثر تنوعا على مستوى قاعدة الإنتاج، وأكثر اعتمادية على نشاط القطاع الخاص، المؤمل منه أيضا أنه يسهم بصورة أكبر في زيادة توظيف الباحثين عن العمل من المواطنين والمواطنات.
كما يمكن القول أيضا، إن الطريق إلى 2030 لم ولن يكون سهلا كما قد يظن البعض، وأنه عدا الآثار العكسية المحتملة لأي برامج إصلاح على الاقتصاد، أن ذلك الطريق قد يحمل تحديات متجددة، ستكون لها آثار معاكسة، وقد تأتي معقدة إلى أبعد الدرجات، وكل هذا يدفع إلى أهمية الالتزام ببرامج الإصلاح والتطوير والتحسين، لا العكس! وأن العمل بها مهما كانت آثاره العكسية مؤلمة بعض الشيء، إلا أنها في المجمل تعد أقل حدة وألما مما لو كانت غائبة، ومما لو تمت مواجهة هذه التقلبات الحادة في أسعار النفط دون التسلح بالأدوات والسياسات اللازمة.
أظهرت الإصلاحات التي تم العمل بها طوال أكثر من عامين مضيا، إيجابية ملموسة على مستوى النمو الاقتصادي والاستقرار المالي المنشود، ما يؤكد أهمية المضي قدما، والاستمرار في العمل بتلك الإصلاحات الاقتصادية، وأهمية أكبر في استكمال بقية الإصلاحات التي لا تزال في بداياتها، ومن أهمها ما يرتبط بصورة مباشرة بالتحديين التنمويين: البطالة والإسكان، وما تقتضيانه من ضرورة قصوى للإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للخروج منهما. فعلى مستوى البطالة، لابد من الإسراع في اتجاه الطريق المؤدي إلى خفضها، والعمل على تسخير الإمكانات والموارد كافة تجاه زيادة توطين فرص العمل الكريمة أمام المواطنين والمواطنات، وهو الملف المعلوم الأسباب والعوائق، اللازم القضاء عليها عاجلا دون أي تأخير.
بل إن أي تأخير أو التفاف على هذه المعوقات، قد يسهم تحت الظروف الراهنة والمتجددة، ممثلة في انخفاض أسعار النفط، في زيادة معدلات البطالة، وزيادة تحديها التنموي، وامتداد مخاطره إلى عديد من أوجه الاستقرار المحلي، التي لا يجب السماح بأي حال من الأحوال بأن تصل إليها، وهو ما يجب أن تضعه وزارة العمل في صلب عملها وجهودها تجاه التطورات الراهنة والمستقبلية. وعلى مستوى الإسكان، سيكون من الضرورة القصوى قيام وزارة الإسكان بالإسراع من جهودها تجاه تملك المساكن، والتأكيد على ضرورة تنفيذها بشكل أسرع لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، واستعجال تنفيذ مراحله الأخرى، الذي سيؤدي العمل بها إلى تحقيق هدفين بالغي الأهمية؛ الأول: خفض أسعار الأراضي والمساكن وتكاليف إيجاراتها، التي لا تزال متضخمة وبعيدة عن متناول كثير من شرائح السكان من المواطنين، على الرغم مما سجلته من انخفاض خلال الفترة 2014 - 2018، وهو ما سيسهم في سرعة الخروج من دائرة هذه الأزمة التنموية الكأداء، وبتكاليف أقل بكثير مما هو على الوضع الراهن.
الهدف الثاني: إن الإسراع في تطبيق بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، سيسهم بصورة كبيرة جدا في زيادة تدفقات الإيرادات غير النفطية، بالصورة التي يمكن لها أن تعوض بشكل كبير الانخفاض المحتمل للإيرادات النفطية؛ نتيجة انخفاض أسعار النفط عالميا، ولا تقف إيجابيات هذا الأمر عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى تحقيق حماية أكبر وأقوى لبقية برامج الإصلاحات الراهنة المعمول بها، وتخفف بدورها من أي ضغوط محتملة على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، قد تنتج عن انخفاض أسعار النفط أكثر مما حدث، أو ما قد ينتج عن طول فترة انخفاضها إن حدث ذلك.
ختاما؛ لا تزال الخيارات الواسعة متاحة أمام صناع السياسات الاقتصادية والمالية، والواجب في هذا السياق، ألا تتأخر أي جهة حكومية أو شبه حكومية عن الوفاء بالمتطلبات والواجبات الملقاة على عاتقها، بل لا بد من أن تسارع وتبادر إلى دعم توجهات الاقتصاد الوطني، والعمل على حماية استقراره واستدامة نموه تحت أي ظروف أو تطورات، وكما تأكد أعلاه لا تقف وزارة بعينها وحيدة في وجه تلك التطورات، بل جميعها على قدم المساواة، والتأكيد على ضرورة تكامل الجهود والعمل المشترك اللازم والمأمول من قبل كل جهاز حكومي، والأهمية القصوى لمشاركة القطاع الخاص في هذا الاتجاه، وضرورة تحول منشآته إلى الوقوف والمساندة لجهود الإصلاح الراهنة، والتخلي عن تأخر بعضها عن ممارسة الدور المنوط بها، عوضا عن تأخرها، والتلويح بكثير من الأعذار غير المقنعة، التي يحاول عديد منها إعلانه من وقت إلى آخر.
والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

arrow up