رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

من أي القبايل أنتم

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا جدال في حق القبيلة وقيمتها، خصوصا في مجتمعات قبلية كحال مجتمعنا وغيره، من ذوات النسق المجتمعي العشائري، غير أن المؤسف أن تكون قيمة الإنسان وقدره ومنزلته عند كثير منهم بحسب المرجعية القبلية، حتى في مسائل متصلة بعمل الخير والشهامة والنخوة، وهي حالة قد يستغربها القارئ الكريم، لكن هي قصة حقيقية دعت إلى كتابة هذا المقال.
«أبوسالم» رجل يشارف السبعين من عمره، ساءه خلاف يسير، لكنه مؤثر، حدث بين صديق عمره ورجل آخر لا يعرفه. ومن باب عمل الخير والإصلاح والنجدة لصديقه، حصل «أبوسالم» على رقم هاتف الطرف الآخر المغاضب لصديقه العزيز. رفع «أبوسالم» السماعة على الطرف الآخر، وعرّفه بنفسه، وأنه طرف مصلح بين الطرفين بكل تجرد وحياد. كان أول سؤال يتلقاه «أبوسالم» من محدثه الجاهل المتعنت: «من أي القبايل أنتم»؟! وحين علم هذا المتعنت بأن محدثه لا ينتمي إلى قبيلة، مارس تعنته في قبول مسعى «أبوسالم» النبيل بطريقة ملتوية! «أبوسالم» وغيره كثيرون، من الذين لا يحملون أسماء قبائل، غير أنهم يحملون نفوسا أصيلة وشهامة وخلقا رفيعا، ترجح بكفة المتغطرس باسم القبيلة وقد تكون، القبيلة وعقلاء القبيلة، بريئون من سلوك هذا وأمثاله.
الإنسان الناجح، والذي يحمل إنجازات شخصية، لن تجده يتعلق باسم القبيلة أو العائلة ليبرز مكانته. الناجح مرتبط أكثر بذاته ومآثره الشخصية أكثر من مآثر عشيرته وبطولاتها الغابرة. وفي المقابل، حين يعجز أحدهم عن تحقيق نجاحات ومكاسب تتوج باسمه الشخصي، يجد نفسه مضطرا إلى التغني بإنجازات الآباء والأجداد الأحياء منهم والأموات، وإذا تفحصت في إنجازات أولئك الغابرين، من آبائه وأجداده، لن تجد شيئا يذكر سوى الاسم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. لم تعرف الجزيرة العربية اسما من أسماء الأوائل في العصور الحديثة، كاسم عبدالعزيز بن عبدالرحمن الذي تنعم بلادنا بإنجازاته في توحيدها، ولم شمل القبائل المتناحرة، وإقامة الدولة التي يعيش سكانها، اليوم، ضمن أفضل شعوب الأرض، وتصل خيراتها إلى سكان المعمورة، بفضل إنجازاته، ومع هذا فإننا لم نر ولم نسمع أن أحدا من أبناء المؤسس، ولا من أحفاده، ولا من أحفاد أحفاده، من يقول نحن ونحن، على سبيل التفاخر والتباهي الشخصي. المفلس -وحسب- هو الذي يتباهى بالحسب والنسب والعائلة و«الحمولة»، لأنه لا يملك رصيدا من التفوق أو العلم والثقافة والكفاءة الشخصية التي يمكن أن تضاف إلى مكاسبه الذاتية.
تجد المفلس، علما وأدبا، يربط شخصه بفلان وفلان، أسماء أقارب له ناجحين، فإن لم يجد ذهب إلى التفاخر بأنه جار لفلان من أسماء العَلَم ومشاهير العلم والثقافة، أو بأنه كان زميل دراسة «صف خامس ج» للمرموق الفلاني، وكان يغشش ذلك المرموق، بل ويدعي أن جنابه كان سببا في نجاح ذلك البارع الصيت. كل هذا ليعالج عوامل فشله في عدم إكمال تعليمه أو تحقيق نجاحات وتميز في مسيرته الخاسرة. وكونه مفلسا لا يعني أن ذلك بسبب عدم إكماله التعليم، بل لأنه مفلس في الأخلاق والأدب والمعرفة، وتحقيق المهارات التي اكتسبها ويكتسبها الناجحون من جامعة الحياة، رغم عدم حصول بعضهم على شهادات دراسية.
فالتعليم الجامعي أو تحقيق الألقاب في الشهادات العليا ليس هو غاية النجاح والتفوق، بل إن الأمثلة لا يمكن حصرها لمن حققوا نجاحات عظيمة، وأسهموا في ازدهار الحياة، وقدموا لمجتمعاتهم مكاسب بارزة. نقطة أخرى جلية تلمسها في بعض مهايطي الأحساب والأنساب، وهو أنه حين يقع أحدهم في قضية جنائية كانت أو مالية، تجده يطالب بتدخل العشيرة واللجوء إلى أحكام القبيلة، واستعداده للقيام بالحقوق و«المراجل» ويستميت في سبيل ذلك، ليس من باب الصلح والتسامح، بل خوفا من وصول قضيته إلى الجهات النظامية والأحكام القضائية التي مآله فيها السجن والجلد والتغريم وغيرها، بينما أحكام القبيلة لا تتعدى «معدال ومداخيل» وحَبّ خشوم ومفطحات وأنواع الهياط.
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up