رئيس التحرير : مشعل العريفي
 كوثر الأربش
كوثر الأربش

ببساطة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في مرحلة ما في حياتك، ستدرك ماذا تعني «بساطة»، المؤسف أن ذلك يحدث بعد أن أنفقت أجمل سنوات عمرك غارقًا في تعقيد الأمور. المحظوظ حقًا، الذي يدرك قيمة البساطة قبل ذلك كله، أعني قبل أن يصيبه تعقيد الأمور بالإحباط، الهم، وأمراض القلب!
كم مرة تسمع في يومك كلمات من قبيل: «هانت» أو «بسيطة»، أو ربما أنت من يقولها، لكن الأمور لا تصغر ولا تتبسط، بل تزداد تعقيدًا. السبب، أننا اعتدنا قولها فارغة من معناها. نقول «بسيطة»، ثم ندخل في دوامة أسئلة وشكوك وتفسير للنوايا ومخاوف وقلق واحتمالات كارثية.. ثم نغرق في اكتئاب أسود. لكن بعد مرور الوقت، ينقضي الأمر ويصبح مجرد ذكرى، سواء حُلت العقدة أم لم تحل.. سوف تمضي. ندرك وقتها كم خفقت قلوبنا وفقدنا النوم من أجل شيء سيذهب بكل ارتباكاته وسوئه. هكذا تجري الأمور، الأمور كلها.
قيل قديمًا: كل شيء يولد صغيرًا ويكبر، إلا المصيبة، فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر. ماذا لو رأيناها صغيرة منذ مولدها؟ تخيل كم ستكفي نفسك عناء القلق والاحتمالات المخيفة والشرود والأرق؟
فكر في حياتك، كل مخاوفنا، تأتي بسبب قلقنا من أن تسوء الأمور أكثر. تنفس بعمق يا صديقي وانظر للأمور ببساطة، بساطة حقيقية، ليس ما نقوله بدون معنى. أي بحجمها الطبيعي، دون تضخيم وحسابات معقدة.
لو رصدنا كل تلك المواقف والأحداث التي أفقدتنا الاتزان وجعلتنا نغضب، سنكتشف أن وراءها الخوف من فقدان السيطرة على الأمور. أن تنفرط السبحة ونخسر كل شيء.
حتى هؤلاء العصبيون والحانقون من حولنا، إنهم يغضبون بسبب وجود مساحة مظلمة من الخوف بداخلهم، هي ما تصنع كل ذلك الهياج غير المبرر. إنهم يتخيلون سيناريوهات كارثية كنتيجة لمشاكل بسيطة. خذ مثالاً بسيطًا جدًا:
كأسٌ على طرف الطاولة، طفل يلعب في الغرفة، أم تصرخ وقد تصفع الطفل، ليرفع الكأس من الطاولة. لقد غضبت لهذا الحد لأنها امتلكت سيناريو مرعبًا للكأس الزجاجي الذي سيسقط وتتناثر قطعه، وقد تؤذي طفلها. لكن حقيقة الأمر، الزجاج لم يؤذِ الطفل. خوف الأم هو من فعل ذلك. كم من الأشخاص آذينا من حولنا بسبب تفكيرنا المعقد؟ بل كم آذينا أنفسنا؟ كل الحالات العصيبة من حولنا يمكنها أن تطبق سياق الطفل والكأس الزجاجي. رحلة تأخرت عن موعدها، نتائج طبية غير حميدة. كل شيء يمكن أن نعتبره كارثة، ويمكن اعتباره حدثًا بسيطًا يمكن التعامل معه. يعتمد عليك أنت. كيف ترى الأمور من حولك.
البساطة لا تعني أن لا تتهندم، أو لا ترفه نفسك. الرفاهية والجمال مطلب كل الشعوب والحكومات أيضًا. إن السياسيات الدولية تهدف بالنهاية لأن يعيش العالم برفاهية أكبر. البساطة لا تعني الانعزال عن الحضارة وعدم الاستفادة من الاختراعات البشرية. بل هي أن تمتلك كل شيء، لكن لا شيء لا يملكك. بمعنى أن لا تتولع حبًّا بالأشياء التي بحوزتك حتى تصبح عبدها. الخسارة واردة، التراجع وارد، الفقدان حالة رياضية طبيعية في الحياة.
أننا كما نكسب، نخسر أيضًا. الآن. دعني أقولها لك، ولكن بشكل مختلف هذه المرة:
خذ الأمور ببساطة
نقلا عن الجزيرة

arrow up