رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

ما على المضطر إلاّ ركوبها

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا أدري كيف أصوغ موضوعي اليوم، لأنه بالفعل مرتبط بحالتي النفسية المتناقضة، التي صاغها الأخطل الصغير ببيت شعر واحد، وكأنه وضع إصبعه على جراحي عندما قال: يبكي ويضحك لا حزن ولا فرح كعاشق خط سطراً في الهوى ومحا فأنا في هذه الأيام مشتت ما بين الضحكة والدمعة. وأظن أنني خلال وقت قصير سوف أشد الرحال إلى ألمانيا، للانخراط في نوادٍ تحفز الإنسان على الضحك حتى لو كان مصطنعاً، لأنه على -حد قولهم- يترك أثراً إيجابياً على أجسادنا.
ويوجد في ألمانيا وحدها 150 ناديا ليوغا الضحك، بينما يتجاوز عددها حول العالم 3000 نادٍ. ويرى باحثون أن الضحك لدقيقتين يعادل فائدة الجري لعشرين دقيقة، فالكبار يضحكون خمس عشرة مرة في اليوم، بينما يضحك الأطفال أربعمائة مرّة، وأثبتت الدراسات العلمية أن الضحك مخفف للآلام. وفي القرن التاسع عشر لم يكن ذلك معروفاً، وفي أحسن الأحوال كان يسمح بالضحك خلف الأبواب المغلقة وبصوت مكتوم. وعندنا منذ طفولتنا شببنا على مقولة: الضحك من دون سبب قلّة أدب، لهذا أصبحت الغالبية العظمى منّا (مبرطمة).
وبعد أن قلّبت الأمور وشِلتها وحطّيتها، وجدت أنني لست مهيأ لأن أضحك حتى ولو لضحكة واحدة من شدة ما يعتمل في صدري، لهذا عقدت العزم أن أشد الرحال إلى هونغ كونغ وذلك أشرف لي، وسوف أرتاد بعض المقاهي المتخصصة لتقديم الخدمات للحزانى من أمثالي. فالمقهى هناك يفتح ذراعيه لكل بكاء، ويوزع عليهم المناديل، ويتحفهم بموسيقى تبكي حتى الحجر، كما يؤمّن لهم البصل والفلفل الأحمر لمن صعب عليه ذرف الدموع، وكل ذلك لقاء ستة دولارات في الساعة الواحدة -يا بلاش. ويقدمون له أيضاً أفضل المشروبات التي يحبها قلبه، كل هذا ليفضفض كل حزين –كحالتي- عن نفسه، ولا بأس من أن يرفع صوته بالبكاء إلى حد الجعير -فلا مشكلة ألبتّة.
وزيادة منهم لتقديم الخدمات، فهم على أتم الاستعداد لاحتواء المصابين منهم بتجارب عاطفية فاشلة، وما على الواحد منهم إلاّ أن يقدم لهم صورة لمعشوقته، وما هي إلاّ أقل من نصف ساعة حتى يأتوه بدمية هي صورة طبق الأصل منها، ليحط (حرّته) فيها إما بتقبيلها أو احتضانها، وأما إذا كان في صدره غلّ عليها، فلا بأس من ضربها ورميها على الحائط بل وفرفطتها. وقرأت استبياناً عن تلك المقاهي، ووجدت أنها اجتذبت أعداداً كبيرة من الرواد المكتئبين، وأنا شخصياً أحببت هذه المقاهي قبل أن أدخلها، لهذا ما على المضطر إلاّ ركوبها - أقصد الطائرة.
نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up