رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

ميزانية مواجهة التحديات المالية وتحفيز الاقتصاد الوطني

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أظهرت ميزانية الدولة للعام المالي 2018 نجاحا لافتا في التعامل مع تغيرات وتقلبات الاقتصاد العالمي، وفي التعامل مع التغيرات الاقتصادية المحلية، في الوقت ذاته الذي أثبتت التزامها ببرنامج التوازن المالي، دون التأخر عن مواجهة التحديات التنموية والاقتصادية، لتحقق نموا سنويا بنهاية العام المالي في إجمالي إيراداتها وصل إلى 29.4 في المائة، مستقرة عند مستوى 895 مليار ريال، أسهم النمو الأعلى للإيرادات النفطية منذ 2012 ب 39.3 في المائة (607.2 مليار ريال)، في القفز بمستوى إجمالي الإيرادات، إضافة إلى نمو الإيرادات الأخرى 12.4 في المائة 287.3 مليار ريال.
كان لاستمرار النمو المطرد في الإيرادات الأخرى، نتيجة للإصلاحات الحكومية، التي تضمنت إجراءات وإصلاحات مالية تم تطبيقها خلال العامين الماضيين، انعكست بصورة مباشرة وإيجابية على إجمالي الإيرادات النفطية وغير النفطية للدولة، وأسهمت في زيادة تنوع مصادر الإيرادات، ما أدى إلى أن تكون أكثر استدامة.
وكان لتنفيذ الحكومة الإصلاحات التي تستهدف تنمية تلك الإيرادات غير النفطية في الأجل المتوسط؛ كتطبيق ضريبة القيمة المضافة، والمقابل المالي على الوافدين، والضرائب الانتقائية، والتصحيح التدريجي لأسعار استهلاك موارد الطاقة المحلية وصولا إلى مستوى الأسعار المرجعية للطاقة حدا للهدر، وإعادة توجيه الدعم للمستحقين له بصورة فعلية. كل ذلك أدى إلى ارتفاع نسبة الإيرادات الأخرى لإجمالي المصروفات الحكومية إلى نسبة قياسية بلغت 27.9 في المائة، وإلى استقرارها قريبا من مستوياتها القياسية عن مستوى نسبتها إلى إجمالي الإيرادات الحكومية، التي وصلت إليها منذ 2016 لتستقر بنهاية العام المالي المنقضي 2018 عند 32.1 في المائة.
مواجهة التحديات المالية
أظهرت البيانات المالية نجاح السياسة المالية في مواجهة أبرز تحدياتها المالية، المتمثلة في ضرورة: (1) السيطرة على معدلات العجز والدين العام، (2) تنمية الإيرادات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على النفط، (3) رفع كفاءة الإنفاق. السيطرة على معدلات العجز والدين العام
على مستوى السيطرة على معدلات العجز والدين العام، تمكنت المالية العامة من خفض نسبة العجز المالي مع نهاية العام المالي 2018 إلى 4.6 في المائة (136 مليار ريال) نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو العجز الأدنى من العجز المالي المقدر في نهاية العام الماضي بنحو 30.3 في المائة، والأدنى كذلك من العجز المالي المسجل خلال العام المالي السابق (238.5 مليار ريال) ب 43 في المائة.
وتتوقع وزارة المالية أن يستمر انخفاض عجز الميزانية خلال العام المالي 2019 إلى ما لا تتجاوز نسبته 1.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، واستمرار انخفاض العجز المالي تدريجيا في الأجل المتوسط إلى أن يتحقق التوازن المالي بحلول العام المالي 2023. أما على مستوى الدين العام، فقد تباطأ نموه السنوي إلى أدنى مستوى له منذ عام 2015 ليستقر عند نسبة نمو 26.3 في المائة، مستقرا عند 560 مليار ريال (19.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وهي النسبة التي لا تزال أدنى بكثير من سقف الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، المحددة عند مستوى 30 في المائة، وفقا لما أعلن في "برنامج التحول الوطني 2020"، التي تعد أيضا هذه النسبة منخفضة مقارنة بنسب الدين المرتفعة لدى دول مجموعة العشرين، بما يؤكد متانة وقوة المركز المالي للمملكة بحمد الله.
وتتوقع وزارة المالية استمرارها بالاعتماد - لتمويل العجز المالي - على إصدارات الدين، وأن يصل إلى نحو 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2019، وتتوقع أيضا وصول الدين العام إلى نحو 25 في المائة من الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2021، في الوقت ذاته ستستمر استراتيجية التمويل على استخدام الودائع الحكومية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي عند الحاجة، مع الحفاظ على رصيد مناسب لتلك الودائع.
أتى كل ذلك ترجمة للمبادرات التي يتم تنفيذها لتحقيق التوازن المالي، لضمان الاستدامة المالية، والاستقرار الاقتصادي في منظور الأجلين المتوسط والطويل، وبهدف الوصول إلى بيئة أكثر جاذبية للاستثمار والنمو الاقتصادي، وتأكيد وزارة المالية في ثنايا برامجها تلك أن التوازن المالي ليس هدفا بحد ذاته، بقدر ما أنه وسيلة إلى ضمان الاستقرار والاستدامة المالية.
تنمية الإيرادات غير النفطية وتقليل الاعتماد على النفط
في مواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية، ولأهمية تنمية الإيرادات غير النفطية لضمان توفير مصدر تمويل مستقر ومستدام للإنفاق العام التنموي والضروري، كان للإصلاحات الحكومية التي استهدفت تنمية الإيرادات غير النفطية (تطبيق ضريبة القيمة المضافة، والمقابل المالي على الوافدين، والضرائب الانتقائية، والتصحيح التدريجي لأسعار استهلاك موارد الطاقة المحلية وصولا إلى مستوى الأسعار المرجعية للطاقة)، نتائج ملموسة على أرض الواقع طوال الأعوام القليلة الماضية، نتج عنها ارتفاع نسبة تغطية الإيرادات غير النفطية لإجمالي المصروفات الحكومية إلى نسبة قياسية بلغت 27.9 في المائة من إجمالي المصروفات الحكومية، كما ارتفعت نسبتها من إجمالي الإيرادات الحكومية إلى 32.1 في المائة، وهي النسب التي لا تقارن بما كانت عليه طوال العقود السابقة. ويتوقع استمرار تلك الإصلاحات الاقتصادية الواسعة النطاق طوال الأعوام المقبلة بمشيئة الله تعالى، الهادفة إلى تعزيز الاستقرار المالي للميزانية، والتخفيض التدريجي للاعتماد على النفط كمصدر وحيد، التزاما بتنفيذ برامج التحول الراهنة والمتوقعة مستقبلا.
رفع كفاءة الإنفاق
حسبما أوضحت وزارة المالية في بيانها التمهيدي للميزانية، فإن رفع كفاءة الإنفاق وتحقيق أعلى عائد اقتصادي له، يعد أحد أهم وأبرز التحديات أمام السياسة المالية، ولهذا قامت الحكومة بتركيز اهتمامها على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي بشكل عام، والإنفاق الرأسمالي على وجه الخصوص، وذلك من خلال تنفيذها عديدا من المبادرات تحت مظلة برامج "رؤية 2030"، وصولا إلى تعزيز مستهدفات النمو الاقتصادي، إضافة إلى تطبيق البرامج والمبادرات التي تدعم التنمية الاجتماعية.
ووفقا لذلك؛ يجري العمل على مواجهة هذه التحديات بالاعتماد على تنفيذ مجموعة من المبادرات على جانبي النفقات والإيرادات، وهي: رفع كفاءة الإنفاق وتوجيه الإعانات لمستحقي الدعم، كما يتم تطبيق عدة مبادرات أخرى، آتت نتائجها الإيجابية مبكرا، وبدأت آثارها الجيدة تنعكس على نمو إجمالي الإيرادات غير النفطية، كتطبيق الضرائب الانتقائية، وضريبة القيمة المضافة، وتحصيل المقابل المالي على الوافدين، إضافة إلى إجراءات تصحيح أسعار الطاقة التي تسمح بإعادة توجيه الدعم نحو الشرائح المستحقة له فعليا.
ختاما؛ كان للإنفاق الحكومي بما يمثله من ثقل كبير في الدفع بالنمو الاقتصادي (بلغت نسبة إجمالي المصروفات الحكومية من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2018 نحو 35.1 في المائة)، الدور الكبير في تحقيق الاقتصاد الوطني لمعدل نمو حقيقي بلغ 2.3 في المائة، مقارنة بنموه السلبي خلال العام الماضي 0.9 في المائة، وهذا يعكس التدرج المعمول به تحت مظلة الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، التي تستهدف منح مزيد من المساحة والتمكين للقطاع الخاص، لأن يكون هو صاحب الوجود الأكبر على مستوى مساهمته في الاقتصاد الوطني، وفي تحقيق معدلات نموه المستدامة، وهو الهدف الذي تتم مراقبة تحققه ودرجة تقدمه بشكل مستمر من قبل واضعي السياسات الاقتصادية لدينا.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up