رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

يا ليتنا نتأسى باليهود قليلاً

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ليس هناك أسرع من الأطفال في تعلم اللغات، والدلالة على ذلك أنني دخلت يومًا على طفلتي وإذا بها مع العاملة المنزلية تتبادلان بعض الجمل باللغة الفلبينية وتتضاحكان، وما إن شاهدتاني حتى توقفتا وأصابهما الارتباك، فهدأت عليهما وشجعتهما وطلبت منهما فقط أن تشركاني بما يضحكهما، فتولت صغيرتي الترجمة، فقهقهت أنا من طريقة مخارجها للألفاظ، وعلى شاكلتها الكثير من الأطفال الذين يحتكون بالعاملات المنزليات من مختلف الجنسيات.
وتذكرت أنه عندما كان (شارل برليتز) طفلاً كان جده يتحدث إليه بالألمانية وأمه بالفرنسية وأبوه بالإنجليزية وأولاد عمه بالإسبانية، وحين بلغ الثالثة من عمره كان يتكلم هذه اللغات الأربع.
وضرب برليتز فيما بعد الرقم القياسي، إذ إنه استطاع أن يلم ويتحدث بـ(25) لغة، وسألوه إن كان ذلك يؤدي إلى اختلاط الأمر عليه أحيانًا؟! فقال: كثيرًا ما تنتابني أحاسيس غريبة، فعندما أنتهي من مكالمة هاتفية يتعذر علي أحيانًا أن أتذكر إذا كنت أتكلم بالإنجليزية أو بالإسبانية، وعندما أذهب إلى حديقة الحيوانات فإنني أفكر باللغة الألمانية لأن جدي كثيرًا ما اصطحبني إلى هناك في طفولتي، أما أحلامي خلال النوم فتكون بلغات مختلفة، وحتى بالعربية أو اللاتينية، وعندما أضرب إصبعي بمطرقة فإنني أشتم بالفرنسية - انتهى.
ومعروف أنه يوجد في العالم نحو ثلاثة آلاف لغة، تضاف إليها لهجات يبلغ عددها ستة آلاف على الأقل.
وكنت أتمنى لو نبدأ بتدريس أبنائنا اللغة الإنجليزية منذ السنة الأولى الابتدائية التي أصبحت هي حجر الزاوية في هذا العصر الحديث، والشعوب التي لا تفعل ذلك يصعب عليها مجاراة التطور السريع المتلاحق، ولا خوف على لغتنا العربية من ذلك، خصوصًا إذا ركزنا عليها وبسطناها، فعقول الأطفال وملكاتهم لديها متسع هائل لهضمها واستيعابها بأن تظل هي اللغة الأم الراسخة التي لا يمكن الاستغناء عنها.
وقد آلمني وحز في نفسي عندما عرفت صديقًا عربيًا أحترمه، وكان لديه أربعة أطفال، واضطرته الظروف وهاجر إلى أميركا، وبعد عدة أعوام التقيته هناك وتفاجأت أن أبناءه لا يتكلمون العربية إطلاقًا، إذ إنه للأسف مع أمهم العربية لا يتكلمان مع أبنائهما منذ صغرهم في المنزل إلا باللغة الإنجليزية، وأعتبر أنه جنى عليهم بذلك جناية لا تغتفر.
ويا ليتنا نتأسى باليهود، فاليهودي سواء كان بريطانيًا أم ألمانيًا أم فرنسيًا أم حتى حبشيًا، لا يتكلم مع أطفاله في منزلهم إلا باللغة العبرية، بل إن إسرائيل تشجع أبناءها على تعلم العربية وأدرجت ذلك في مناهجها الدراسية.
ونسينا نحن مع الأسف الحديث الشريف القائل: «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم». وفوق أن نأمن مكرهم، نستوعب فوق ذلك إبداعاتهم أيضًا.
نقلاً عن الشرق الأوسط

arrow up