رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

إذا كنتَ تضحك فأنت حُر..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الحرية والضحك علاقة تلازم يتعذّر الفصل فيما بينهما إلا بشقّ الأنفس ذلك أنّ أحدهما بالضرورة كان نتيجةً للآخر؛ فالذين يضحكون همُ الذين يتمتّعون بـ «الحرية»، ومن هنا كان القلق والاكتئاب حالتين لا يعرفهما الأحرار، فيما «العبد» يُصبح قلِقاً ويمسي مُكتئباً! وبهذا المعنى يُمكن القول: إنّ فيكَ من «الحرية» بقدر ما أنتَ عليه من «الضحك»! وحيثما غاب «الضحكُ» عن حياتك فأنتَ إلى زمرة «العبيد» أقرب، وبهم ألصق! جلّ ربي في عُلاه؛ إذ هو وحده مَن أضحك «الأحرار» وأبكى «العبيد»، وما من لحظةِ ضحكٍ (صادقةٍ) إلا كان من ورائها مقاربة انفكاكٍ من «قيد» قد أثقل كرامة الإنسانية وخلّصها من «أسرٍ» قد أرخصه،ا ولا ينبغي – مِن ثَمَّ – أن يصحب انكسار «القيد» إلا ضحكة مجلجلة يبلغ مداها ما بين المشرق والمغرب. إذن.. فإنّه لا شيء يُعبّر عن ثقتك بنفسك وتصالحك معها مثلما يفعله «الضحك» اللغة التي نقرأ أبجديتها على شفاه «الملوك»؛ إذ يفتر الثغر عن حالة تجلٍّ من انتصارٍ وغلبة وتمكين. ونقرأ في شأن ذلك ما كان من سليمان عليه السلام «فتبسّم ضاحكاً من قولها». الضحك صفةٌ جماليةٌ تبقى من أعظم الخصائص المميزة للإنسان ليتفرّد بها «تكريماً» عن بقية المخلوقات منذُ أن أسجد الله تعالى له «الملائكة» إيذاناً بخلوصه من رقّ أيّ عبوديةٍ باطلةٍ إلا عبودية – بحق – لا ينبغي أن تكون إلا لله تعالى الذي خلقه فسوّاه وأحسن صورتَه.. ما يعني أنّ ضِحْكَة الإنسان ليست محض «غريزةٍ» بل إنّ الضحك من لدنه كان عملاً عقلياً فيه من معاني التعبّد – لله – ما يكشف عن حالةٍ من حالات «التكريم» الربّاني التي خُصّ بها الإنسان دون غيره. أرأيت وجهَ من يَضحك؟ تأمله جيداً فإنّك – بالضرورة – لن تجد سوى نورٍ من البِشر والرضا طافحٍ يغمر الملامح كُلُها فاكتست به على نحو من الجمال والنور الإلهي الذي تُبصر فيه كمالات «الإنسان» بالنسبة لبقية مخلوقات الله تعالى! ومن أجل هذا فإن القلوب – السويّة – قد جُبلت على حُبّ أصحاب الوجوه الضاحكة في حين أنّ الناس بعامةٍ ينفرون من كلّ صاحب وجهٍ عابس كالحٍ ذي شفةٍ متشنجةٍ.. وبالاتفاق أنه ما من خيرٍ يُمكن أن ترجوه من صاحب وجهٍ عابسٍ فيما الخير كلّه مرجو في الذين «يضحكون» وبصنيع المعروف إلى الناس يتودّدون. هل أحتاج إلى تذكيركم بأنّ «الابتسامة» هي ابنةُ «الضحكة»، ذلك أنّها تأتي بين يدي أمها أو أنها تحضر بالنيابة عنها في الأثناء التي تكون فيها الأم «الضحكة» تؤجل حضورها لمهمةٍ هي أكبر من تلك المهة التي أنابت الابتسامةَ عنها للقيام بها حال غيابها.. ولئن ألفيتَ ديناً يُحرّض أتباعه على الابتسامة ابتغاء التصدق بها قُربة إلى الله تعالى فاعلم حينئذ أنك قبالة «الدين» الحق الذي يبتغي أن يقضي على كلّ الأسباب التي من شأنها أن تجعل المجتمع حفياً بوجوهٍ تُحسن إلى كلّ من يلتقيه بـ «ابتسامةٍ» تؤسس لـ «سلامٍ» ترتفع فيه رايات «الحب» عنواناً لـ «تعايشٍ» لا يأتي إلا بخير وتُضيّق فيه مسارب «الكُره» الذي لا يتنامى إلا حيث تغيب «الابتسامة/ الضحكة» وتحل مكانها الوجوه «المقطّبة» العبوسة تلك الصورة البشعة التي يوشك أن يحضر فيها «الشيطان» بصورة «إنسان»!! جاء في الأخبار أنّ «هابيل» كان بسّاما فيما كان «قابيل» عنواناً للتعبيس بجبين مقطّب وبوجهٍ لم تفرج أساريره قطُّ عن ضحكة! تبقّى شيءٌ كثير، وبسببٍ من ضيقٍ في المساحة أجمله في الآتي: * سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو يضحك ربنا؟ قال: نعم. قال: لن نعدم من ربٍ يضحك خيراً». رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني. * وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة آخر أهل الجنة دخولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيقول يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك! أليس قد أعطيتَ العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أُعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك! فيضحك الله عز وجل منه، ثم يأذن له في دخول الجنة. رواه البخاري ومسلم. * عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه يقول «ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي» رواه البخاري. * عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم» رواه مسلم. * عن عبدالله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه قال «ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الترمذي. * حتى لا يضطرب عليك فهم المقالة أتمنى أن تُبقيها على المعنى «الأجمل» في الضحك وليس بتوسّع دال معاني «الضحك» من حيث تنوعه الذي تختلف فيه المقاصد وتتابين فيه وظائفه وغاياته. * ما إن تسمع كلمة «استبداد» فستجدك من حيث لا تريد وقد انكمشت أساريرك، ولم يبق في وجهك أي مساحةٍ يُمكن أن تستوعب أي ضحكة/ أو ابتسامة ولو عابرة.. إذا كنت كذلك فأنت إذن من عشاق «الحرية»! وبهذه الحركة اللاإرادية التي داهمتك أثناء سماع كلمة «استبداد» تكون حينئذ قد تخلّصت من شيءٍ كثيرٍ من تلك الأوصاف التي لا تليق إلا بطائفة «العبيد»! * لو سألتَ أي أحدٍ فقلت له: الضحك هل هو من الصفات اللائقة بـ «الحر» أم هو صفةٌ ملازمة لمن كانت الأغلال والقيود عنواناً لحياته؟! قبل أن يُخبرني هو.. أخبرني أنت ما هي إجابتك؟. * لماذا الشعوب الأكثر تمتعاً بـ «الحرية» وبنيل حقوقها هي الأكثر «ضحكاً» وإشاعة لثقافة الضحك وتهيئة لكل المناشط التي من شأنها أن تبقى الناس في حالة تبسم/ وضحك؛ إذ لا يكاد يغادرهم؟! بينما في الضد تأتي تلك الشعوب التي هي على نقيضها في كلّ شيء؟! * متى آخر مرة شعرت بحريتك – كما تحب – فضحكت – من قلبك كما تود؟! نقلا عن الشرق

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up