رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

جيدي ليس جديًدا وجديدي ليس جيًدا

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا شك أن التهكم الذي يجرح إنما هو صفة مذمومة، وهو أشبه ما يكون بالعدوان من دون سابق إنذار، غير أنه أحياًنا قد يكون محموًدا إذا كان دفاًعا عن النفس، أو تسجيل موقف مفروض عليك، وهناك عدة أمثال سوف أضربها، فخذوا منها ما يروقكم، أما البقية الباقية فصندوق الزبالة ينتظرها بفارغ الصبر. ومن التهكم الموغل في قسوته، ولم أستسغه، قول شاعر اسمه (مارشال) يخاطب امرأة اسمها (كلووي) بالآتي: يمكنني الاستغناء عن وجهك وعنقك ويديك وأطرافك وصدرك، وعن مفاتن أخرى مما لك، وحتى لا أرهق نفسي في تعدادها جميًعا، أكتفي بالقول إنه يمكنني الاستغناء عنك كلك. وأسخف منه ولا أنساه، عندما كنت أجلس يوًما بجانب أحدهم في أحد المحافل، وكان الموضوع الدائر وقتها عن حقوق المرأة أو ما شابه ذلك. وتفاجأت بذلك الجالس بجانبي يقاطع إحدى المتحدثات من النساء، بصوته الجهوري دون أن يطلب أحد منه ذلك قائلاً: إنني لم أتخَل يوًما عن قناعاتي بأنه على جميع النساء أن يتزوجن، وعلى جميع الرجال ألاّ يتزوجوا. وما إن ألقى قنبلته العنقودية تلك حتى ران على المحفل صمت عميق لعدة ثوان، أعقبه بعض الاحتجاجات من النساء والرجال على حد سواء. وبما أنني كنت ملتصًقا بذلك الرجل كتًفا لكتف، أُصبت بالارتباك كعادتي في المواقف المحرجة، وخوًفا من أن يظن الجميع أنني على شاكلته في موقفه المزعج ذاك، ما كان مني إلا أن أنهض من مكاني متعثًرا كالمقروص، وأجلس على كرسي في آخر القاعة بجانب باب الخروج. ومن مواقف التهكم تلك الملاسنة الشهيرة التي حصلت في البرلمان البريطاني بين النائبة (بيسي برادوك)، و(ونستون تشرشل)، وذلك عندما ضاقت هي ذرًعا بكلامه، وقاطعته صائحة: أنت سكران يا ونستون، فتوقف عن الكلام برهة، فحدجها بنظراته، ثم واصل الكلام قائلاً: أنت قبيحة يا بيسي، وأنا سوف أصحو حتًما من سكري صباح غد، أما أنت فسوف يلاحقك قبحك حتى مشارف قبرك. وقبل أن أنتهي من كلامي لا بد من إيراد ذلك التهكم الذي تعرضت له أنا شخصًيا، وكان له أبلغ الأثر في نفسي، وما زلت أعاني من تبعاته رغم صدقه، وذلك عندما قال لي أحدهم على رؤوس الأشهاد: اسمع يا مشعل، لا شك أن مقالاتك مليئة بالجيد والجديد. الواقع إنني ما إن سمعت ذلك حتى انتشيت، وبدأت أبتسم وأنا أهز رأسي، وقبل أن أنتهي من الاهتزاز، فاجأني قائلاً: للأسف فإن مقالاتك جيدها ليس جديًدا، وجديدها ليس جيًدا. نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up