رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

هل أنتم مثلي..؟!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أستيقظُ في الوقتِ الذي يَمَلّ مني النومُ، فأحسبني قد استيقظتُ كالمعتاد في «الصبح» وإذ بي أكتشف أنّ «الليل» لم يزل بعد يفرضُ سلطانه على «النهار»! حتى الشمس هي الأخرى أغطش الليلُ ضُحاها.. صحيحٌ أنّ الله تعالى لم يجعلِ الليلَ علينا سرمداً فيما نحنُ أبينا إلا أن « نُسرمد» علينا الليل.. فَلْنَنم إذن ليلاً طويلاً ذلك أنّ الصّبح ليس بقريب.! «1» حين أنهض من فراشي الوثير فإنّ أول ما أفعله: أن أنفضَ وسادتي ولحافي بقوة ولأكثر من مرّة لأتخلص من «أحلامي» وإذا ما تأكدتّ بأنّ الجميع في حال يقظة دسَسَتُ الوسادة بين أعطاف اللحاف رجاء أن تحفظ السر ذلك أنّنا في مجتمعٍ نؤاخذُ فيه حتى على «أحلامنا»!
«2» ولأننا في بيتٍ لا نتّخذُ فيه «المرايا» ذلك أنّه ما من أحدٍ في دارنا يودُّ أن يرى وجهه في «الصبح» لحظة إفاقته.. أقول: لأننا في بيتٍ لا نتّخذ فيه «المرايا» فإنني أدَعُ من الآخرين «مرايا» أرى فيها وجهي الذي يتغيّر من مرآةٍ لأخرى، فأعرفُنِي تارة وأُنكرُني تارةً أخرى.. ولو أنّي قلتُ لكم: أنّي قد تركتُ للآخرين رسمَ ملامحي كما يشاؤون فما أحسبني قد قلتُ إلا الحق الذي تخافون الإفصاح عنه. «3» دونَ بقية – خلق الله – لا أُحبِّذُ البدء بغسل وجهي، وإنما أعمد إلى فمي فأملؤه ماءً/ بشيءٍ من صابون فأتمضضُ سبعاً عسى أن أتخلّص من كل مفرداتِ «النفاق» و «التملق» العالقة بلساني تلك التي أنفقتها أمسِ بكلّ سخاء في سبيل أن أنال شيئاً من «حقوقي» التي تأبى أن تأتي إلا لمّا أن أكون شخصاً آخر أُنكِرُ من نفسي ما أمقته في كلّ «مطبلٍ» عليم اللسان فاجر الجَنان. «4» أُلَملِمُ ما تبعّثر حول فراشي من بقايا أوراق ممزقةٍ، تحمل نواة مشاريع علميةٍ وفكرية وإبداعية، وبما أنّها غير صالحةٍ للزمان/ والمكان وستنتهي بي إلى تفسيق وتبديع وتخوين فلم أجد بُدّاً من أن أمعن في تمزيقها «حِتتاً» ثم أحشرها في بقشة سوداء «بلاستيكيّة الصنع» وتوكيداً لتبرئتي أضع معها بعضاً من فضلات فوضويّتي ثم أضع «الكيس البلاستيكي الأسود» عند عتبة الباب من الخارج وأوصي «رجل النظافة» أن يستوصي فيه خيراً ويضعه في مكّب الأوراق المحترمة.!
«5» أعرفُ من نفسي أني لستُ مهماً ولا في عِداد مَن يصنعون «التاريخ» ومن أجل هذا لا أحتسي القهوة المرّة في الصباح، وما من شيءٍ أفكّ به الريق غير كوبٍ من «الماء المغلي» دون أيّ إضافةٍ فأدلِقُه في بطني وأكاد أُسيغه.. لا تقلقوا أنا بخير ففي الماء حياة فكيف به إذا كان حاراً لا ريب أنّها طريقةٌ صحيّةٌ تُخفّف من غلواء ما هو حارٌ في «الخارج» مما يشوي الأفئدة الفارغة! «6» أتحرّك في «صومعتي/ شقتي» ذات الجدران المطلية بالكتب، إذ لا شيء غير الكتاب يُمكن أن يجعل من هوائك نقياً.. أتحرّك برشاقةٍ تُشبه رشاقة مَن يرقصون بـ «الطوق» المهم أن أكون قد تأكدتُ من أني قد أقفلتُ الباب بالضبة والمفتاح.. لا أفتح الباب لأحدٍ منكم في حين يبقى تلفوني الثابت بفضح أسمائكم فهو يُغرني بأرقامكم المكشوفة ألاَّ أردّ على اتصالاتكم، أفعل كلّ ذلك حتى أكون بخير فلا تقلقوا عليّ. قال القاضي الجرجاني: ما تطعَّمتُ لذةَ العيشِ حتَّى ** صرتُ للبيتِ والكتابِ جليساً ليس شيءٌ أعزّ من العلـ ** مِ فما أبتغي سواهُ أنيساً إنَّما الذُّل في مخالطةِ الناسِ ** فدعْهُم وعِشْ عزيزاً رئيساً وقال آخر: أنِسْتُ بوحدتي ولزِمتُ بيتي ** فدام لِي الهنا ونَمَا السرورُ وقاطعتُ الأنامَ فما أبالي ** أسارَ الجيشُ أم ركِبَ الأميرُ وأدبني الزمانُ فلا أُبالي ** هُجرتُ فلا أُزارُ ولا أزور
نقلا عن الشرق

arrow up