رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

سياح بلا جوازات سفر

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

مفهوم الجنسية والحصول على جواز السفر يعد طارئا وحديثا في تاريخ البشر.. لم يكن ابن بطوطة وماركو بولو وابن فضلان (والمستشرقون الذين زاروا الحجاز سرا) يحتاجون لجوازات سفر أو أختام تحدد مواعيد دخولهم وخروجهم للبلاد.. فحتى مئتي عام مضت كان السفر والترحال والهجرة والاستقرار أمرا لا يثير اهتمام السلطات، وقرارا يخضع لحرية الشخص وحده.. كانت قوافل الحجيج التي تزور مكة والمدينة تعود ناقصة كون قسم كبير فضلوا البقاء والعيش في المدينتين المقدستين، ولهذا السبب كانت المدينة ومكة تملكان حتى وقت قريب أحياء تسمى بجنسيات ساكنيها كحارة الجاوة والبرماوية والمغاربة والتكارنة والبخارية..!
المفارقة أن حرية السفر والاستقرار كانت أسهل بكثير حين كانت معظم دولنا العربية خاضعة للاستعمار.. غير أن استقلالها حتم ظهور الحدود والجمارك والجوازات الوطنية، وأصبح لزاما على الأشقاء العرب الحصول على جواز سفر أو تأشيرات زيارة للانتقال من بلد عربي إلى آخر.. أصبح الوضع بالنسبة للاجئين الفلسطينيين أشبه بفيلم "الحدود" حيث يفقد دريد لحام جواز سفره بين دولتين عربيتين فيظل عالقا بين الحدود لا هو قادر على دخول الوطن الشقيق ولا العودة لوطنه الأصلي، في حين يمكن للماعز والخراف التنقل بين البلدين بلا حسيب أو رقيب!
لا أعلم لماذا لم تفكر جامعة الدول العربية (منذ إنشائها) بإصدار جوازات سفر مشتركة لجميع العرب.. خطوة رمزية كهذه كان من شأنها تسهيل فكرة الاتحاد العربي العظيم بدل ترسيخ مفهوم الانفصال السياسي بين العرب طوال السبعين عاما الماضية..
وماذا عن مجلس التعاون الخليجي؟ لماذا فشل حتى الآن في إصدار جوازات كهذه أو على الأقل إصدار تأشيرات سياحية موحدة لدول العالم المختلفة؟
وفي المقابل هناك الاتحاد الأوروبي الذي تقارَب سياسيا رغم خلافاته العرقية والثقافية لدرجة فتح الحدود، وسمح بحرية التنقل داخله دون تأشيرة أو جواز سفر.. حتى أميركا فعلت ذلك قبل ثلاثمئة عام حين تحولت (ولاياتها) المختلفة إلى وطن مفتوح من الداخل وأصبح الجميع يحمل جوازا بنفس اللون!
.. ورغم أن هناك محاولات لإصدار جواز سفر عالمي موحد للاجئين والمحرومين في العالم، تقلصت اليوم هذه المحاولات لدرجة الفشل التام (وابحث في النت عن مقال بعنوان: جواز السفر العالمي).. فجواز السفر العالمي لا يمكن أن يظهر قبل ظهور جنسية عالمية لا ترتبط بدولة ولا تتعلق بوطن، ولا تنحصر بجغرافيا.. جنسية ترتبط بالإنسان ذاته ترتفع فوق الخلافات السياسية، والنزاعات الإقليمية، والصراعات المذهبية والإثنية.. ينالها في البداية شخصيات معروفة وموثوقة أصبحت بياناتها موثقة مسبقا في كافة المطارات العالمية (بحيث لا يحتاجون لتأشيرات زيارة، ولا يوقفهم رجال الحدود لسؤالهم عن جوازات سفرهم)..
أيها السادة؛ في المستقبل القريب أتوقع انقسام العالم إلى نوعين من البشر:
الأول: لاجئون ومحرومون من الجنسية، وعاجزون حتى عن امتلاك جوازات سفر تتيح لهم الهجرة وحرية التنقل..
والثاني: سائحون يملكون جنسيات عالمية كثيرة، أو يزرعون تحت جلودهم شريحة الكترونية تتضمن بيانات شخصية تميزها مطارات العالم أجمع!
.. وفي حين تُشكل المجموعة الأولى عُشر البشر هذه الأيام؛ ستسمع خلال الأعوام القادمة أخبارا حقيقية عن مواطنين عابرين للقارات لا يحتاجون تأشيرات ولا يحملون جوازات سفر.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up