رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. فهد العتيبي
د. فهد العتيبي

وثائق تبرئ «المملكة» من وصمة «الإرهاب»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تابع صحيفة" المرصد" عبر تطبيق شامل الاخباري

https://shamel.org/panner


تحرص التنظيمات الإرهابية المختلفة على سرية معلوماتها بدرجة كبيرة، ما يجعل دراستها - بناء على وثائقها الخاصة - أمرا صعبا للغاية. ومن هنا، فإن أي فرصة للحصول على بعض وثائق هذه التنظيمات ودراستها يعتبر فتحاً كبيراً في مجال دراسات التنظيمات الإرهابية ومكافحة الإرهاب.
وقد سعدت أخيراً بحضور محاضرة للأمير الدكتور عبدالله بن خالد بن سعود الكبير آل سعود، مدير إدارة البحوث، ورئيس وحدة الدراسات الأمنية في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عن «داعش» من خلال وثائقها. وكانت المحاضرة بعنوان: «المقاتلون الأجانب في وثائق «داعش» المسربة: دراسة تحليلية للقادمين من المملكة العربية السعودية»؛ حيث استفادت هذه الدراسة من وثائق «داعش» حول عديد من الملتحقين بها. مع العلم أن كثيرا من التنظيمات الإرهابية يرفض تسجيل البيانات الخاصة بالتابعين، ومن حسن الحظ أن تنظيم «داعش» وبدءا من عام 2013م، وبعد إعلان قيام ما أطلق عليه «الدولة الإسلامية في الشام والعراق»، قام بتسجيل الاستمارات الخاصة بمعتنقيه.
نبذة عن الوثائق
تم تسريب هذه الوثائق مطلع عام 2016م من قبل أحد المنشقين عن التنظيم، وكانت أول جهة إعلامية تحصل عليها هي MBC NEWS. وكان المركز الدولي لمكافحة التطرف من بين الجهات التي حصلت على هذه الوثائق، وهناك اطلع عليها الباحث عندما كان أستاذاً زائراً في المركز. وترجع أهميتها إلى أنها تعكس خبايا هذا التنظيم الذي عرفت عنه السرية التامة في أعماله.
وتحتوي هذه الاستمارات على عديد من الحقول، ومن أهمها اسم الشخص، وعمره، ومستوى السمع والطاعة، ومكان القتل وتاريخه، وفصيلة الدم، واسم الأم؛ حيث جاء عدد المقاتلين القادمين من السعودية 759 مجنداً، منهم 100 شخص غير سعودي.
«تواريخ الانضمام»
كان الشهر الذي شهد دخول أكبر مجموعة قادمة من السعودية سبتمبر 2013م، بينما كان الشهر الأكثر دخولا لبقية المجموعات يوليو، أي بعد إعلان الخلافة الداعشية عام 2014م. ويرى الباحث أن السبب هنا يعود إلى دخول حزب الله حلبة الصراع في مايو عام 3013م. كما يعزو التناقص في أعداد السعوديين المنضمين إلى «داعش» في الأشهر والسنوات اللاحقة إلى الإجراءات الصارمة، التي اتخذتها الحكومة السعودية ضد المسافرين لمناطق الصراع: منها السجن لمن يسافر لمناطق الصراع، وتصنيف «داعش» وغيرها من التنظيمات الأخرى منظمات إرهابية. وقد قلت أعداد السعوديين في الأعوام التالية. كما أن الصراع الذي اشتدت حدته بين «داعش» و»القاعدة» في هذه الفترة، وتكفير بعضهم بعضا، قد قاد إلى تناقص أعداد السعوديين المنضمين إلى هذا التنظيم.
«الفئة العمرية»
كان متوسط أعمار السعوديين في هذه الوثائق أقل من 24 عاماً، منهم 50 في المئة بين 20 و24 عاماً، وهذا يدل على أنه جيل جديد، أسهم صغر أعمارهم في سهولة التغرير بهم، وهم يصغرون عن بقية المقاتلين الأجانب بنحو سنتين. وكان أكبر مجند من مواليد 1954م (56 عاماً عن الدخول)، وأصغر مجند كان عمره تسع سنوات، وكان داخلاً مع والده. وما يؤكد أنهم كانوا جيلا جديدا من الإرهابيين أن إجاباتهم عن السؤال التالي: هل سبق لك أن شاركت في الجهاد؟ كانت على النحو التالي: 91 في المئة لم يشتركوا، 4 في المئة سبقت لهم المشاركة، منهم 18 في سورية.
«الحالة الاجتماعية»
كان 73 في المئة من المنضمين إلى «داعش» من هذه المجموعة عُزباً، و18 في المئة متزوجون، و9 في المئة لم يجيبوا عن السؤال. وكان 93 في المئة لديهم أطفال (أكبر عدد ثمانية أطفال). وبالنظر إلى بقية الجنسيات نجد أن النسب فيما يخص الحالة الاجتماعية: 61 في المئة عُزْب، و30 في المئة متزوجون. وهنا لا بد من البحث عن الدافع وراء تركهم أسرهم وأطفالهم.
«التحصيل العلمي»
اشتملت هذه الوثائق على سؤال عن مستوى التحصيل الشرعي؛ حيث جاءت الاختيارات: بسيط، ومتوسط، وطالب علم.
وقد جاءت نسبة السعوديين: 58 في المئة ذكروا أن علمهم الشرعي بسيط، و34 في المئة متوسط، و8 في المئة متقدم. من بين هؤلاء 337 يمتلكون المؤهل الثانوي، و119 حاصلون على الشهادة الجامعية، وعدد من تركوا الدراسة الجامعية من أجل الانضمام إلى «داعش» 150 مقاتلاً. وقد وصف الباحث هذه النسبة التي تركت الدراسة من أجل «داعش» بالنتيجة الصادمة. مع العلم أن بعضهم قد أجاب عن التحصيل العلمي
نسبة السعوديين المستقطبين الأقل بين الدول
إجراءات المملكـة تجفـف منـابـع التنظيــم
«صغار السن» فرائس سهلة للتغــريـر
المتطرفون متوسطو التعليم والدخل
بالتخصص الدراسي؛ حيث ذكر 209 من هذه العينة تخصصهم الدقيق. وبمقارنة هذه العينة بمجموعة ستيفن هرتج (عام 2015م) التي بلغ عددها 207 متطرفين من السبعينات إلى الآن ومن مختلف دول العالم. نجد أن الغالبية في المجموعة الأخيرة -مجموعة ستيفن هرتج - تخصصهم هندسة. وهذا يختلف عن مجموعة هذه الدراسة من السعوديين أو عن المتطرفين السعوديين بشكل عام. وقد فسر هرتج ذلك بأن سوق العمل السعودي يستوعب خريجي الهندسة بسرعة مما يحول دون توجههم للإرهاب والتطرف.
«بلدان السفر»
حرصت «داعش» على سؤال مجنديها هذا السؤال: هل سافرت إلى بلدان أخرى؟ ويرى الباحث أن السبب قد يكون رغبتها في فتح بؤر تجنيد لها في هذه البلدان، أو أنها أرادت تحديد أشخاص مناسبين لعملياتها الإرهابية الخارجية في المستقبل. وقد كان من بين الأفراد من سافر إلى بلد، وبلدين، بل ثلاثة بلدان، وهذا قد يشير إلى مستوى اقتصادي مقبول لدى هؤلاء المسافرين.
«داعش الغربية»
لم تكن المملكة العربية السعودية الدولة الأكبر التي خرج منها هؤلاء المتطرفون إلى «داعش»، بل جاءت دول أخرى بعدد ستة آلاف مقاتل. وكان عدد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى «داعش» في سورية يفوق 30 ألف مقاتل. بل إذا نظرنا إلى نسبة مسلمي الغرب إلى عدد السكان في العالم نجد أنها تشكل واحدا ونصفا من تعداد مسلمي العالم، ولكن نسبة المقاتلين الأجانب المنضمين إلى «داعش» من الدول الغربية أكثر من 16 في المئة.
ويظهر جليا من خلال هذه النتائج التناقص التدريجي في أعداد السعوديين الملتحقين بـ»داعش» نتيجة للإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة ضد من يسافر لمناطق الصراع، وكذلك تصنيف «داعش» منظمة إرهابية.
كما اتضح أنهم كانوا جيلا جديدا من المتطرفين، يتميزون بقوة التطرف وسرعة التبعية، ما يجعلهم يشكلون خطراً كبيراً. وهذا الأمر لا يقتصر على المتطرفين القادمين من المملكة، بل ينطبق على جميع المتطرفين من الفئة العمرية نفسها من جميع دول العالم. جاء أغلبهم للمرة الأولى من دون سابق تجربة قتالية مع المنظمات الإرهابية (91 في المية)، ما يعني أنه لا يلزم وجود التجربة الإرهابية السابقة من أجل الانضمام إلى هذا التنظيم.
«الحالة المادية»
لم يكن هؤلاء الإرهابيون مدفوعين بالوضع الاقتصادي المتدني، كما تحاول بعض الدراسات تفسير التطرف من وجهة نظر الاقتصادية؛ حيث سافر أغلب أعضاء هذه المجموعة إلى أكثر من بلد، ما يعني أن هناك وضعا ماديا مقبولاً. فقد سافر أكثر من ثلثي السعوديين من هذه العينة إلى وجهة سفر واحدة، أما ربع العينة في الوثائق فقد سافروا إلى ثلاث وجهات سفر.
مع أن التطرف ينمو في بيئات الجهل، إلا أن المتطرف قد يكون متعلما؛حيث كان 337 من أفراد العينة يمتلكون المؤهل الثانوي، و119 حاصلون على الشهادة الجامعية، وهناك 150 منهم تركوا الدراسة في المرحلة الجامعية، وهذا يدل على أن هذه المجموعة من المتطرفين تتمتع بمستوى تعليم جيد نسبيا. وهنا لا بد من البحث في الأسباب المعقدة وراء ظاهرة التطرف والإرهاب.
غالباً ما تكون الأيديولوجية الدينية تابعة للتطرف، وليس العكس؛ حيث هناك عديد من الأسباب التي تشكل عقلية المتطرف، وتقود إلى التحاقه بالجماعات الإرهابلية، وهناك يتم تغليف هذه التجربة بالدين لسهولة التأثير فيه وقيادته.
نقلاً عن الرياض

arrow up