رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

رأس الرجاء الصالح

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هذا الاسم الغريب ظل في رأسي منذ سمعت به لأول مرة في الصف الرابع ابتدائي.. كانت ثلاث كلمات تعبر عن المغامرة والنجاح وبداية الصعود والانحدار.. مغامرة تستحق السرد، ونجاح في اكتشاف الشرق، وانحدار أمة كانت تقف "شوكة" في حلق الغرب... فحتى عام 1488 كان يصعب على أوربا التواصل مع آسيا (والهند على وجه الخصوص) بسبب تحكم العرب والمسلمين بطرق التجارة بين القارتين.. كان يجب على قوافل التجارة الأوربية المرور في بلاد العرب (أو عبر البحر الأحمر) إن أرادت الوصول لأرض التوابل والذهب في الشرق. وللخروج من هذا المأزق حاول البرتغاليون (الأمة البحرية الأقوى في ذلك الوقت) اكتشاف طريق يتجاوز الأراضي الإسلامية من خلال الالتفاف حول القارة الأفريقية، ثم تجاوزها شرقاً نحو آسيا.. وبهذه الطريقة فقط يمكن لأوربا كسر شوكة العرب وتركهم في جزء محاصر ومهمل في الشرق الأوسط.. ولفعل ذلك كان عليهم أن يتأكدوا أولاً من صحة الادعاءات الجديدة (بأن الأرض كروية الشكل) لأن ابتعاد سفنهم كثيراً نحو الجنوب يهدد بسقوطها من حافة الأرض (في حال كانت مسطحة كالطبق).. ولهذا السبب أرسل البرتغاليون عدة بعثات استكشافية نجحت آخرها في الوصول لأقصى نقطة في جنوب أفريقيا (بقيادة الكابتن بارثولوميو دياز في يونيو1487).. غير أن بارثولوميو (رغم وصوله لنهاية القارة الأفريقية) لم يستطع تجاوزها (باتجاة الشرق) بسبب العواصف الشديدة فدعا تلك المنطقة "رأس العواصف". وحين عاد للبرتغال ليبشر الملك جون الثاني بهذا الاكتشاف قال له الملك: "لن يرافقك البحارة مجدداً إن أطلقت عليه هذا الاسم المخيف" لنطلق عليه تيمنا اسم "رأس الرجاء الصالح".. ومن هنا ظهرت هذه التسمية الغريبة Cape of Good Hope.. والحقيقة هي أن هذا البقعة من اليابسة (التي تفصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهندي) كانت معروفة لدى العرب والمسلمين قبل البرتغاليين؛ بل إن البحار العماني العظيم أحمد ابن ماجد هو من قاد البرتغاليين لاحقاً إلى الهند وهم من أطلق عليه لقب "أمير البحار".. وفي حين ساهم هذا الاكتشاف في انهيار دولة المماليك (التي كانت تتحكم بطرق التجارة في مصر والشام والحجاز) عثر الأوربيون على طريق جديد نحو الشرق.. أصبح بإمكانهم أخيراً الذهاب إلى آسيا، فبني البرتغاليون مستوطنات تجارية في الهند، واحتل الهولنديون إندونيسيا، ووصل الأسبان إلى الفيليبين بفضل ماجلان (أول من قام برحلة حول الكرة الأرضية بين عامي 1519-1522 وأثبت بشكل عملي أن الأرض كروية فعلاً). الغريب أن البرتغاليين لم يستوطنوا جنوب أفريقيا رغم اكتشافها أولاً، بل الهولنديون (الذين تركوا أحفادهم فيها حتى اليوم).. أما المفارقة الثانية فهي أن الدراسات اللاحقة أثبتت أن "رأس الرجاء الصالح" ليس هو فعلاً النقطة الفاصلة بين المحيطين الأطلسي والهندي، بل رأس قريبة منها وأقل شهرة تعرف باسم "رأس الأبر" أو "رأس أقولاس" باللغة البرتغالية. .. بقي أن أخبركم لماذا كتبت اليوم بالذات عن هذا الموضوع.. رغم سماعي به منذ الابتدائية!! .. لأنه ببساطة من "أحلام الطفولة" التي نجحت في تحقيقها أثناء زيارتي لجنوب أفريقيا مارس الماضي..
.. وكم أهوى تحقيق أحلام الطفولة.
نقلا عن الرياض

arrow up