رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

الأقنعة التي نلبسها

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

والدتي تصف الكاذب بصاحب الوجهين والمنافق بالثلاثة والبائع بالأربعة.. ولكن الحقيقة هي أننا نلبس وجوهاً كثيرة بحسب الظروف والمواقف والمناسبات ومن نتعامل معه.. وفي المقابل تجدنا -حين نحكم على شخص آخر- نكتفي بتبني وجه واحد فقط إما لأننا نريد رؤيته على هذا النحو، أو لأنه ببساطة يعاملنا على هذا النحو.. فالفتاة في فترة الخطوبة مثلاً تريد أن ترى زوجها الجديد كفارس أحلام نبيل (فتميل لتفسير كلامه وتصرفاته بهذا الشكل) في حين يحاول هو تأكيد وجهة نظرها من خلال التصرف فعلاً على هذا النحو.. على الأقل حتى نهاية شهر العسل.. أضف لهذه الثنائية، حقيقة أن الناس يكتفون غالباً بتبني الصفة السائدة على الآخرين.. فأنت مثلاً تصف صديقك أو مديرك بأنه "عصبي" أو "هادئ" أو "طيب" أو "متقلب" وتتجاهل وجوده في حالات أقل حدة أو مختلطة تمنحه وجوهاً متعددة!! وبالطبع؛ تختلف محاولتك تصنيف الناس حين تكون باحثاً في طبائع البشر، وتحاول تصنيفهم بمعزل عن العواطف وتبديل الأقنعة.. وحسب علمي كان أبوقراط أول من حاول (قبل ميلاد المسيح بخمس مئة عام) تصنيف الناس وربط أمزجتهم بأربعة أخلاط أساسية في الجسم.. فحسب رأيه هناك صاحب المزاج الدموي (وهو نشيط متفائل ولكنه ملول) والمزاج السوداوي (وهو مزاجي متقلب سريع الغضب) والمزاج الصفراوي (وهو مندفع متهيج يفعل ثم يفكر) أما المزاج الرابع فهو البلغمي (وهو هادئ خامل يصعب استفزازه)!! ... ومن الواضح أن العرب تأثروا بفكرة الإغريق حول الأمزجة والعناصر الأربعة؛ فابن القيم مثلاً شخّص رمد العين بقوله: "هو ورم دموي حار يعرض في العين وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة". وجاء في شرح العقيدة الطحاوية: "غضب الملائكة لا يجب أن يكون مماثلاً لغضب الآدميين لأن الملائكة ليسوا من الأخلاط الأربعة حتى تغلي دماء قلوبهم كما يغلي دم الإنسان"! .. ورغم خطأ تصنيف الناس بهذه الطريقة؛ إلا أن فكرة تقسيم البشر إلى أربعة أمزجة أو طبائع ظهرت على مر القرون والثقافات بأثواب وصور مختلفة (ولا أعرف سر اتفاقها على الرقم أربعة).. والعجيب أن فكرة تربيع الشخصية (إن جاز التعبير) رافقنا حتى اليوم.. فعالم التغذية الأمريكي أليوت برفنيل مثلا اكتشف وجود صلة بين شكل الجسم وأربعة أنماط للشخصية هي الجسم المتناسق (ويتميز صاحبه بالثقة والعناد والفعالية) والسمين (وصاحبه مرح اجتماعي طلق) والكمثري الممتلئ من الأسفل (ويتميز صاحبه بحب الرعاية والاهتمام والهدوء) والادرنالي المكتنز في منطقة البطن (وهو عنيد مقتدر لحوح).. وهناك عالم ياباني يدعى تونيشيكا أدعى أن من يحملون الفصيلة A جادون وحذرون ويهتمون بالتفاصيل، ومن يحملون الفصيلة B مرنون إبداعيون ويتحاشون التقليد، ومن يحملون الفصيلة O واقعيون واضحون يعشقون القيادة، أما من يحملون الفصيلة AB فاجتماعيون فكاهيون وينجحون في مجال السياسة والسينما.. أيضا لا ننسى عالم النفس السويسري الشهير كارليونج الذي وضع أربعة انماط للشخصية هي: النمط الانطوائي، والانبساطي، والحركي، والإدراكي.. ... على أي حال؛ أياً كان نمطك وأخلاطك وفصيك دمك، لا يمكن لأي تصنيف أن يعفيك من التصرف بأدب ورقي ومخالقة الناس بخلق حسن.. ولاحظ.. جاء في الحديث الشريف "جميع الناس" ولم يقل جميع المسلمين أو المسؤولين أو المنتسبين لقبيلتك وأبناء وطنك «... قال: زِدْنِي، قال: خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
نقلا عن الرياض

arrow up