رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

تفعيــل البعـد التربــوي الغائـب والمغيب !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كنت أعتقد، ولا زلت على قناعة، بأن مسيرة التطوير والإصلاح إنما تبدأ بالتربية والتعليم ..وهذا الأمر طرحته في أكثر من ورقة عمل أو ندوه أو محاضرة أو مقاله أو دراسه. ولا يهم فى نظري، سواء أن طرح هذا الأمر من قبل قوى خارجيه، أو طرح من الداخل من قبل قوى وطنيه، فالقضية لا تحتمل هذه المزايدات والاعيب المكائد السياسية، لأن أمر الإصلاح والتطور شأن داخلي محلي سعودي بحت، يخضع بالدرجة الأولي لمتطلبات وإحتياجات المجتمع السعودي. تركيز مشبوه ********** لقد إطلعت علي كثير مما تشر عن عملية الإصلاح في التعليم،وضرورة أن نبدأ خطواتنا التالية في تطور دولتنا ومجتمعنا من عملية التعليم، بإعتبارها المفتاح لكل تطور يطال مناحي الحياة الأخري – إقتصادية سواءً كانت أم إجتماعية أم ثقافية أم عملية ...ألخ فكل شئ يخص أمر تطور المجتمعات إنما يبدأ بالعملية التعليمية. وقد لفت نظري من كل ما يطرح من آراء حول مسألة الإصلاح التعليمي أمر غريب وهو إتفا ق الجميع علي أن لب القضية إنما يكمن في المناهج. لا أدري كيف ولماذا ؟!. ولكن هناك شبه إجماع بأن مشكلتنا، أو مشكلة التعليم عندنا إنما تتركز في هذه المناهج. لا أرجم بالغيب، ولكن في حدود الإجتهاد العقلي أعتقد أن هذا الإتجاه في تحليل المشكلة وتشخيص الداء إنما هو في أساسة (صدى) لما يردده الإعلام الغربي : الأور أمريكي، حول مناهجنا، وما يثيره من غبار، تحت مظلة هذه الحرب اللا مقدسة علي الإسلام والمسلمين. لان مثل هذا التركيز المشبوه علي المناهج إنما هو في الأصل يستهدف التوجهات الإسلامية في هذه المناهج. وهذا هو (بيت القصيد) كما تقول العرب، أو هو (مربط الفرس). إتفق مع من يقول أن نظمنا التعليمية في حاجه إلي إصلاح وتطوير يلبي إحتياجات مجتمعنا وإتفق – أيضاً – مع من يري أن هذه الخطوة الإصلاحية والتطويرية إنما هي الخطوة الأولي في سبيل إنطلاقنا نحو آفاق أوسع. وإن كنت أعتقد أن المسألة يجب أن تبدأ قبل هذا عن طريق تغيير عقليتنا وتطويرها، بحيث يبدأ الإصلاح من البيت، بالتربية، بحيث نغرس قيم الإصلاح والتغيير في عقول أطفالنا قبل أن ندفع بهم إلي المدرسة أو الروضة. ولكن هذه قضيه أخري سنعود إلي مناقشتها لاحقاً. الفجوة المفتعلة ************ أفهم كل هذا. ولكن لا أستطيع أن أفهم أولئك الذين يركزون علي المناهج في عملية التعليم مع علمهم – هذا إذا علموا – أن المناهج إنما هي (حمّاله) مضامين تعليمية وتربوية. ولم أسمع قط – ولا أظنهم كذلك – عن مضامين تربوية وتعليمية تدعو إلي الفساد والإرهاب وسوء الخلق وغيرها من القيم المرذوله. نعم .. ثمة نظم حديثة وأخري تقليدية. ولكن مضامين القيم واحده عند كل الشعوب وفي كل الثقافات. إذن ثمة عامل آخر كان يجب أن يتم التركيز عليه أكثر من عامل المناهج.. إلا وهو عامل (الوسيط) أو الموصل أعني المعلم. لقد ظللت أرصد كل المعالجات التي تحاول حل إشكالية التعليم، ولكن للأسف كل السهام كانت تصوب نحو الهدف الخطأ، حيث ركزت علي المناهج، وأهملت أهم ركن في العملية التربوية والتعليمية .. أعني المعلم. وأكاد أزعم أن العلة إنما تكمن هنا. وهذه واحدة من أخطاء – هل أقول خطيئة – خطط التنمية التي إنطلقت في السبعينات إبان فترة الوفرة – وإن كان البعض يسميها زوراً بالطفرة - . لقد أهملنا حينها أهم مرتكز من مرتكزات التنمية الحقيقية وهي بناء (الإنسان) بالتركيز علي النوع والكيف، بدلاً من التركيز علي (الكم). إلا أن الوفرة، والتركيز علي إحتياجات سوق العمل وضرورات (التوطين) جعلتنا نتوسع في التعليم بشكل عشوائي، دون أن نضع الحدود بين كم مخرجات التعليم، والإحتياجات الحقيقية لسوق العمل. فتم التركيز علي التعليم الأكاديمي، في حين كان يجب أن يتجه تركيزنا علي التعليم الفني والتدريب المهني، إذ كانت سوق العمل حينها في حاجة إلي مخرجات هذا النوع من التعليم. فما الذي حدث ؟ . حدث ما هو متوقع تماماً .. إذ فاضت مخرجات هذا النوع من التعليم الأكاديمي عن حاجة سوق العمل، في ظل غياب التدريب، وكان المجال المتاح الوحيد حينها أمام هذه المخرجات هو مجال التعليم، فأدخلناها فيه دون تدريب أو تأهيل.. وهكذا رأينا الخريجين والخريجات من مختلف التخصصات الأكاديمية يدخلون إلي مجال التعليم، دون سابق إعداد وتأهيل. الدور المفقـــــود ************** إلا أن البعض منا كان يظن أن هذا الفائض من مخرجات التعليم كان إنجازاً ودليلاً علي نجاح الخطط، وما دروا أن هذا إخفاقاً ودليلاً علي فشل الخطط. إذ أن (الفائض) في الخطط هو الوجه الآخر (للنقص) كلاهما يدل علي سوء التخطيط، وفشل الخطة المعنية. لماذا ؟ لان الخطط توضع لتحقيق هدف (محدد)، أو لتلبية إحتياج معين، فإذا نقص مردودها بشكل حاد عن توفير الإحتياج المحدد بكم ونوع معين، أعتبر هذا النقص دليلاً علي سوء التخطيط وفشل الخطه التي وضعت وفق إفتراضات خطأ. وكذلك الأمر إذا ما زاد، وفاض مردودها عن الإحتياج المحدد، مما يدل علي الإفتراضات التي علي ضوءها وضعت الخطة كانت خطأ. لان هذا (الفائض) من المردود ستترتب عليه نتائج إقتصادية وإجتماعية سلبية. وهذا ما حدث بالفعل في مجال العملية التعليمية. لقد إنعكس سلباً هذا الفخ العشوائي لمخرجات التعليم الفائضة عن حاجة سوق العمل في الحقل التعليمي دون إعداد ملائم، علي مستوي أداء المعلمين، وبالتالي علي العملية التعليمية برمتها، وعلي مستوي مخرجات العملية التعليمية. لقد تم أولاً إهمال شبه تام للدور (التربوي) للمعلم، الذي كان يكمل الدور التربوي للمنزل والعائلة، وإنحط دورة إذ إقتصر علي المهمة التلقينية. حتي كاد المعلم الذي (كاد أن يكون رسولاً) أن يصبح ببغاءً يلقن تلاميذه، ما لقنته له المناهج، وغاب دوره كملهم، ومجسد للقيم الفاضلة المثالية العليا في نظر تلاميذه، وكنموذج، وقدوه تقتدي، إلي مجرد شخص لا يجسد أى شئ ، أشبه ما يكون بالمسجل الذي يدار وقت الحصة الدراسية ليلقي علي مسامع تلاميذه ما حفظة من دروس، دون إبداع، وإبتداع وسائل شخصيه لإيصال المعلومة بالشكل المؤثر، الذي يجعلها جزء من ذاكرة التلميذ ونبراساً يستعين به في مقبل حياته. ولا يستطيع أن يعرف قيمة هذا الدور المؤثر للمعلم القدوة إلا أولئك الذين إلتحقوا بالتعليم في الزمن القديم،وقد أشار الأمير محمد الفيصل في مقابله له مع صحيفة إلي هذا الدور وأهميته، موضحاً الأثر الإيجابي الذي إستطاع السلف الصالح من المعلمين في الزمن الماضي، من ممارسته، ومدي فضلهم في غرس الكثير من القيم الصالحة والنبيلة في نفوس طلابهم، ومدي تأثير هذه القيم في المحافظة علي التوازن النفسي لتلاميذهم. خاتمــــة : ******* والآن، وفي ظل هذه الفجوة بين مخرجات التعليم وإحتياجات سوق العمل، وفي ظل هذا الطوفان الثقافي الذي يغزو مجتمعنا السعودي، سواء عن طريق جيوش العمالة الوافدة بكل محمولاتها الثقافية، أو عن طريق القنوات وأجهزة الإتصالات التقنية، فإنني أقترح أن نعمل، وبكل جد وإجتهاد علي التركيز الحاد علي نوعية المعلم في كل مراحل العملية التعليمية، بدءً من مراحل الأساس وإلي المراحل الجامعية العليا، وذلك عن طريق إعداد المعلم / المربي الذي يستطيع أن يخرج أجيالاً أقدر علي تحمل مسؤوليات النهوض بهذا الوطن. لأننا لو إستعرنا مناهج أعظم الدول والمجتمعات، وأكثر المناهج تطوراً، وأحدث نظم التعليم دون إعداد المعلم الذي يوصل مضامين هذه المناهج إلي عقول ونفوس النشئ لن نفلح. أقول هذا وأسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up