رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

مازال في المنافي متسع للجميع

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يواجه الشعب السوري هذه الأيام محنة حلب تضاف للمحن التي يعاني منها منذ أن اندلعت الثورة المجيدة الضائعة. لا أحد يعلم متى يستعيد السوريون حياتهم الطبيعية. ولكن السؤال ما هي حياتهم الطبيعية؟ أن يعودوا إلى بيوتهم وأعمالهم وأحبابهم. هل كانت حياتهم قبل الثورة طبيعية وتستحق أن تستعاد. سؤال يجيب عليه السوري نفسه. سنرى أجوبة كثيرة ومتناقضة. هل تستحق إزالة الدكتاتور عن سلطته كل هذه التضحيات. في هذا السؤال سأجيب عنه بنفسي: نعم. ما يجري في العراق وسورية وليبيا واليمن هو ما يمكن أن أسميه عنق الزجاجة. لا علاج لمرض عضال دون عملية جراحية كبرى تهدد حياة المريض. يصاحبها آلام ومخاوف وبكاء وأحزان وانتكاسات ويأس وتشرد وأمل وكل ما تراه في الثورات العربية القائمة اليوم. ظهور داعش ليس صدفة ولم يكن ثمة أمل بمنعه، مثلما أن ظهور بشار ليس صدفة أيضاً. كلاهما خرج من رحم واحد. الفكر الذي جاء ببشار إلى السلطة هو الذي مهد لظهور منظمة كداعش حتى وإن اختلفوا وتناقضوا على السطح. لست متشائماً ًمن النتائج على المدى الطويل. أقصد بالمدى الطويل عشرين سنة ثلاثين سنة. ما يقلقني في كل هذا هو الاستمرار في تجنب الحديث عن المرض الحقيقي. ما الذي أنتج بشار وأنتج داعش. من السهل إحالة أسبابه إلى تدخل خارجي. الجرثومة التي عبثت بأحشاء العرب والمسلمين مصنعة في المعامل الأجنبية ومحقونة في الجسد البريء الطاهر. لا نعرف فكر داعش ولم نسمع به من قبل ولا نجد له أصلاً في كتبنا. ظهر علينا مع ظهور البغدادي. لا نعرف في تاريخنا وحشية بشار ولم يحدثنا تاريخنا قبل حلول بشار بشيء مثله. من الواضح أن هذه الثقافة التي قدمت لنا داعش والنصرة وحزب الله جاءت من الخارج. بدأت مع بداية المخابرات المركزية الأميركية التي ورثتها من المخابرات الإسرائيلية التي ورثتها هي بدورها عن المخابرات البريطانية. لا أقول هذا من عندي. استمع إلى إعلام بشار واستمع إلى إعلام داعش واستمع إلى إعلام إيران واستمع إلى الإعلام العربي بكل تنوعاته. جميعنا نتقاتل ولكننا متفقون أن أميركا هي التي تقف وراء كل هذا. أميركا هي التي تدعم داعش وتدعم بشار وتدعم روسيا وتدعم حزب الله والحشد الشعبي والأكراد والنصرة. داعش صناعة أميركية وبشار صناعة أميركية والمالكي صناعة أميركية وإيران صناعة أميركية، كل شيء في هذا الكون صناعة أميركية حتى جهاز الآي فون الذي يسّر لنا التشاتم العلني صناعة أميركية. من الصعب أن تلوم الجيل الجديد الذي يلعن أميركا وإسرائيل والغرب وأذناب الغرب أن يؤمن بهذا. ثمة كبار في السن عاشوا فترة العروبة بكل هزائمها وخذلانها يؤمنون بهذا أيضاً. استمعوا في شبابهم إلى نفس الكلام ونفس البيانات ونفس التحليلات. المنتج الذي تحدث به العروبيون يعاد تدويره مرة أخرى حرفيا. اتهامات متبادلة ومؤامرة خارجية وتقسيم المنطقة وفرق تسد وعملاء الخ. إذا أمكن أن ننظر إلى الأمر بصورة إيجابية يمكن القول إن وضع الإنسان في زمن العروبيين يسمح بالاستمرار في مثل هذا التفكير. لكن لم يعد إنساننا في أيامنا هذه يجلس في المقهى يحتسي قهوة المساء ويقدم وجهة نظره في الإمبريالية وأذنابها. انهار كل شيء والانهيار مازال ساري المفعول ويهدد من تبقى في المقاهي الجديدة يحتسون قهوة المساء. مازال في المنافي متسع للجميع. يتملكني إحساس أن ما يجري من دماء وفوضى وغموض ستفرض علينا إما أن نتعايش مع هذه الانهيارات وهذا مستحيل أو أن نعيد النظر في طريقة التفكير من جذورها.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up