رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

لغـة الإنترنت المشتركة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ظهرت الإنترنت لأول مرة في بلدين يتحدثان اللغة الإنجليزية.. ففي عام 1969 كانت أربع جامعات أميركية قد قامت بربط حواسيبها بشبكة داخلية، وفي عام 1970 أتمت وزارة الدفاع الأميركية ربط كمبيوتراتها بشبكة عسكرية خاصة، وفي عام 1991 وضع الإنجليزي تيم بيرنرزلي بروتوكولات الويب العالمية (WWW.)، وخلال عقد التسعينات ظهرت في أميركا محركات البحث الأساسية ومواقع التراسل الاجتماعية وأنظمة العنونة الإلكترونية.. وبناء عليه ليس مستغرباً (بحكم التبعية) أن تصبح اللغة الإنجليزية هي المهيمنة على فضاءات الشبكة العالمية حتى يومنا هـذا.. والحقيقة أنه حتى عام 1992 كان هناك مليون حاسوب فقط مرتبطه بالإنترنت (جميعها أميركية) وفي عام 1998 كانت المواقع التي تستخدم اللغة الإنجليزية تشكل 75% من مجمل الشبكة العالمية، وفي عام 2015 كانت اللغة الإنجليزية ماتزال هي المسيطرة بنسبة 55% مقابل جميع اللغات العالمية (أقرب لغتين خلفها تبتعدان عنها بمسافة شاسعة هي الروسية بنسبة 5,9% والألمانية 5,8% في حين تحتل مواقع اللغة العربية المرتبة الرابعة عشرة بـأقل من واحد بالمئة حسب موقع مراقبة الإنترنت W3Techs.com في مارس 2015). غير أن هيمنة اللغة الإنجليزية لا يمكنها أن تستمر طويلاً بسبب التمدد المتزايد لمواقع الإنترنت العالمية، واندماج الإنجليزية ذاتها بلغات العالم الأخرى (فــ 20% من مستخدمي الإنترنت هذه الأيام موجودون في الصين ويستخدمون لغة تمزج بين الإنجليزية والمندرين الصينية)!! ... على أي حال؛ ما يهمني اليوم ليس اللغة الغالبة أو التي تتفوق في عدد المستخدمين؛ بل عمل الإنترنت ذاتها كبوتقة لصهر اللغات وخلق لغة عالمية مشتركة.. فمن المعروف أن من وسائل خلق وظهور اللغات الجديدة اندماج عدة لغات (أو ألسنة) في موقع جغرافي واحد.. خذ كمثال اللغة الأوردية في القارة الهندية التي ظهرت بفضل اندماج اللغة الفارسية والعربية مع اللغات الهندية القديمة.. وخذ كمثال آخر لغة الأفريكانو في جنوب أفريقيا التي ظهرت بفضل اندماج الهولندية (لغة المستعمرين البيض) مع الإنجليزية (لغة المنتصرين) مع اللغات الأفريقية والمالاوية (التي حضرت مع الأندونيسيين الذين استقدمهم الهولنديون للعمل في المزارع) بحيث ولدت لغة جديدة وصفتها صحيفة التايمز البريطانية بأبشع لغة في العالم.. واليوم تلعب الإنترنت دوراً مشابهاً في خلط اللغات العالمية للخروج بلغة عالمية موحدة عمادها اللغة الإنجليزية.. فعلى شبكة الإنترنت تتمازج حالياً لغات العالم بسرعة لم تحدث من قبل. فمستخدمو الشبكة (الذين فاق عددهم المليار نسمة) يأتون من 75 جنسية ويبتكرون يومياً كلمات ورموزاً تسهل التواصل بينهم.. بـل إن تأثير الإنترنت يتجاوز دور البوتـقة (التي تتمازج فيها اللغات) إلى دور الموجة الذي يطوع جميع اللغات بما يسهل التعامل معها.. لاحظ مثلاً ما يحدث للغة الإنجليزية حيث لم يعد هناك داع لأحرف الكابيتال الكبيرة والأفعال المساعدة (are و is) في عالم الإنترنت.. هذا المفهوم تسرب إلى حياة الناس فأصبحت الإعلانات تكتب بالأحرف الصغيرة وبدأ الناس يتجاوزون الـــare وis في كلامهم.. والحقيقة هي أن الإنترنت أضافت للغاتنا وسائل جديدة في التعبير لم تعهد خلال التاريخ كله؛ فالرموز الكرتونية التي يستخدمها الناس على الإنترنت (كالوجه العابس أو الضاحك) والشخصيات الكرتونية والافتراضية ولغات البرمجة المشتركة والبروتوكولات الموحدة أصبحت رموزاً مشتركة يفهمها الجميع دون الحاجة حتى لوجود كلمات مقروءة أو منطوقة.. .. ولكن.. حتى تتبلور لغة عالمية مشتركة وواضحة أذكرك مجدداً أن المواقع العربية لا تشكل سوى 1% من مجمل المواقع العالمية، وأن جهلك (لمؤاخذة) باللغة الإنجليزية يحرمك من 55% من المواقع الموجودة على شبكة الويب هذه الأيام!!
نقلا عن الرياض

arrow up