رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

النذالة أعيت مَن يداويها

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لم أجد أكثر نذالة من هذا الرجل الذي لا أريد أن أذكر اسمه، وكان لديه منزل يبنيه في طرف المدينة وهو في مرحلة التشطيب. وبالعادة يتجمّع العمال صباحاً في أحد الشوارع يمر على تجمعهم كل من يحتاج إلى عمالة، وأغلبهم إما أن يكون أتى عمرة وممنوع عليه مزاولة العمل، وإما أنه مجرد متسلل دخل بطريقة غير مشروعة، أو منتهية إقامته، أو هارب من كفيله، ويمر على هذا التجمع كل من يحتاج إلى عمالة يومية ليُنهي عمله. وفي الصباح الباكر ذهب أخونا في الله، ذلك الرجل، إلى الموقع، وأخذ يساومهم على الأجر الذي حدده بـ50 ريالاً لكل واحد منهم، غير أنهم طلبوا 200 ريال لكل واحد، ورفضوا عرضه وهم يتضاحكون و«يتّريقوا» عليه، وقبل أن يذهب وافق ثلاثة منهم على عرضه وكلهم كبار بالسن لا يستطيعون طول انتظار، وأركبهم معه في سيارته، وبدلاً من أن يذهب بهم إلى مشروعه، ذهب بهم إلى أحد المطاعم الشعبية وطلب لهم فطوراً وشاياً ثم نفح كل واحد منهم 200 ريال، وأعادهم مرّة أخرى إلى موقعهم وهم يشكرونه غير مصدّقين كرمه وإنسانيته، ويبدو لي والله أعلم أنهم أخبروا رفاقهم ما حصل لهم. وفي اليوم التالي عاد الخبيث إلى نفس الموقع وقدم عرض الـ50 ريالاً السابق، ووافقوا كلهم سريعاً على ذلك ومن دون تردد، ونظراً إلى عددهم الكبير الذي يقارب مائة شخص، استأجر أوتوبيساً حملهم إلى الموقع، و«كرفهم كرفاً» –أي شدد عليهم بالعمل من الصباح إلى قرب مغيب الشمس- والشيء الوحيد الذي جاد به عليهم، هو وعاء كبير ممتلئ بالماء وعليه مغراف ليشرب به مَن يريد أن يشرب. وبعد أن انتهوا وكل واحد منهم (يادوبك) يجرجر ويسحب قدميه من شدة التعب، إذا بالرجل النذل يقدم لكل واحد 50 ريالاً، وعندما أخذوا يتصايحون محتجين، خاطبهم بكل بجاحة قائلاً: «اللي أوله شرط آخرته سلامة، ألم أقل لكم إنني سوف أعطي كل واحد منكم 50 ريالاً وأنتم قبلتم؟!»، فأجابوه: «هذا صحيح، ولكننا اعتقدنا أنك سوف تعاملنا مثلما عاملت زملاءنا الثلاثة بالأمس». فرد عليهم بكل برود: «إذا لم يعجبكم ذلك اشتكوني»، فأُسقط في أياديهم لأنهم بالأساس مخالفون وسوف يفضحون أنفسهم، فوافقوا وأخذوا أجرهم صامتين وهم يدعون عليه في قرارة نفوسهم. وقبل أن ينطلق بسيارته تحلّقوا حولها يرجونه على الأقل أن يبعث لهم بأتوبيس يرجعهم لأن الطريق طويل وهم لا يقدرون على السير. ولا أدري إلى الآن هل بعث لهم بأتوبيس أم لا!
نقلا عن الشرق الأوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up